ذكاء اصطناعي

الدماغ المصغّر: شريحة متناهية الصغر تُبصر كالعين وتُفكّر كالدماغ وتسترجع الذكريات في لحظة

الدماغ المصغّر: شريحة متناهية الصغر تُبصر كالعين وتُفكّر كالدماغ وتسترجع الذكريات في لحظة
مجد الشيخ
مجد الشيخ

3 د

طوّر علماء في جامعة RMIT الأسترالية شريحة عصبية بصرية تُحاكي عمل العين والدماغ، وتُخزّن الذكريات فورياً دون حاسوب خارجي.

تستخدم الشريحة مادة MoS₂ فائقة الرقة، وتُعالج المعلومات بطريقة تناظرية تُقلّل من استهلاك الطاقة والبيانات.

استجاب الجهاز لحركة يد دون التقاط فيديو تقليدي، واحتفظ بالذاكرة مثل دماغ بشري.

يمكن استخدام التقنية مستقبلًا في السيارات الذاتية والروبوتات، وربما حتى في تتبع التلوث والانبعاثات الخطرة.

في قفزة علمية قد تعيد تعريف حدود الذكاء الاصطناعي، طوّر فريق من جامعة RMIT الأسترالية جهازًا نانويًا يعمل بطريقة تحاكي الدماغ البشري، قادر على رؤية الحركة، والتفكير، وتخزين الذكريات البصرية في لحظتها – كل ذلك دون الحاجة إلى حاسوب خارجي.

هذا الابتكار، الذي يُعرف بـ الجهاز العصبي البصري (neuromorphic vision device)، يُعد من أبرز محاولات الدمج بين وظائف العين البشرية ودماغها في نظام إلكتروني متكامل، ما يفتح آفاقًا مذهلة أمام الروبوتات فائقة السرعة والمركبات الذاتية الأكثر أمانًا.


جهاز يُفكّر كما نفكّر... ولكن بطاقة أقل

يقف خلف هذا المشروع كل من البروفيسور سوميت واليا، مدير مركز المواد البصرية وأجهزة الاستشعار (COMAS)، ونائبه البروفيسور أكرم الحوراني، حيث نجحا مع فريقهما في بناء نظام يُعالج المعلومات بطريقة تشبه المعالجة التناظرية في أدمغتنا، وليس الرقمية المعتادة.

وصرّح واليا قائلاً:


"أنظمة الرؤية العصبية تستخدم معالجات شبيهة بالدماغ، مما يخفض استهلاك الطاقة بشكل كبير عند التعامل مع المهام البصرية المعقدة، مقارنة بالتكنولوجيا الرقمية التقليدية"

هذا التحول إلى المعالجة التناظرية يعني أن الأنظمة الذكية يمكنها اتخاذ قرارات بصرية فورية، دون الحاجة لمعالجة كميات ضخمة من البيانات.


مادة تمتلك ذاكرة… مثل الدماغ تمامًا

في صميم هذا الجهاز، توجد مادة تُدعى ثنائي كبريتيد الموليبدينوم (MoS₂)، وهي مركب معدني لا يتعدى سُمكه بضع ذرات فقط. وقد أظهر الباحثون أن العيوب النانوية داخل هذه المادة تمكّنها من اكتشاف الضوء وتحويله إلى إشارات كهربائية، على غرار طريقة تواصل الخلايا العصبية في الدماغ.

وفقًا للبروفيسور الحوراني:


"العيوب النانوية في المادة لا تُعد مشكلة بل ميزة. لقد استغليناها لنصنع وحدة ترى، وتتعلم، وتتذكر"


ذاكرة فورية... واستجابة للحركة دون تأخير

خلال التجارب، نجح الجهاز في رصد حركة يد تلوّح في الهواء، دون الحاجة لتسجيل الفيديو صورة بصورة. استخدم النظام ما يُعرف بـ"كشف الحواف"، وهي تقنية تسمح بتحديد التغيرات في المشهد دون معالجة الإطار بالكامل، مما يُقلل بشكل كبير من استهلاك الطاقة والبيانات.

وعندما رصد الجهاز هذه التغيرات، قام بتخزينها في ذاكرته بشكل فوري، تمامًا كما يفعل الدماغ البشري مع الأحداث.

ويضيف الباحث الأول تيها أونغ:


"أثبتنا أن المادة MoS₂ الرقيقة يمكنها تكرار سلوك الخلايا العصبية المسؤولة عن إطلاق الإشارات الكهربائية، وهو أساس الشبكات العصبية النابضة (Spiking Neural Networks)"


تطبيقات تنقذ الأرواح... وتفهم البشر بشكل أفضل

وفقًا للفريق، فإن إمكانيات هذا الجهاز تتجاوز حدود المختبر. ففي المستقبل، يمكن استخدامه في المركبات ذاتية القيادة لاستشعار التغيرات البيئية فورًا، ما قد يُحدث فرقًا حاسمًا في مواقف خطيرة تهدد الحياة. كما يمكن للروبوتات العاملة إلى جانب البشر أن تتفاعل بشكل طبيعي وفوري مع الإيماءات والسلوك البشري.

ويؤكد الحوراني:


"هذه التقنية ستُمكّن الروبوتات من الاستجابة للإنسان كما لو كانت تراه وتفهمه في لحظته، دون تأخير"


من بكسل واحد إلى شبكة كاملة

الجهاز الحالي لا يزال نموذجًا أوليًا يتكوّن من بكسل واحد فقط، لكن الفريق يعمل حاليًا على توسيع النموذج إلى مصفوفة كاملة من البكسلات باستخدام نفس المادة، بتمويل من مجلس البحوث الأسترالي (ARC).

كما يطمح الفريق إلى تطوير أنظمة هجينة تمزج بين المعالجة التناظرية في أجهزتهم والأنظمة الرقمية التقليدية، وذلك للوصول إلى أداء مثالي يجمع بين الكفاءة والطاقة والسرعة.

ويختتم واليا بقوله:


"نحن لا نحاول استبدال الحوسبة التقليدية، بل نُكملها. تقنياتنا تعزز قدرات الرؤية الآنية حيث تكون السرعة وكفاءة الطاقة أمرًا حاسمًا"

ذو صلة

رؤية المستقبل: من الذكاء إلى الاستشعار البيئي

لا يتوقف طموح الفريق عند الرؤية البشرية. فهم حاليًا يختبرون مواد بديلة لـ MoS₂ قادرة على استشعار الأشعة تحت الحمراء، ما يفتح الباب أمام تطبيقات ذكية في تتبع انبعاثات الكربون، والكشف عن الغازات السامة، والبكتيريا، والمواد الكيميائية الخطرة.

ذو صلة