الذكاء الاصطناعي لا يُقصي البشر فقط من وظائفهم… بل من ثقتهم بأنفسهم

3 د
يشعر العديد من الناس بالقلق الوجودي بسبب انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي.
تكشف عالمة النفس إيلين رايان عن مخاوف الناس بشأن أهميتهم في ظل تقنيات الذكاء.
تنصح رايان بالتفهم التدريجي للتقنيات الجديدة لتجاوز القلق المتزايد.
توفر الذكاء الاصطناعي تحليلات دقيقة، لكن تظل القيم الإنسانية ثابتة ولا يمكن استبدالها.
تنصح رايان بأخذ وقت للابتعاد عن التكنولوجيا والاقتراب من الطبيعة.
هل شعرت مؤخراً بالقلق والارتباك أمام تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي؟ هل تساءلت مرة: "ما الجدوى من وجودي إذا كان الذكاء الاصطناعي يؤدي عملي أفضل مني؟". إذا كانت هذه التساؤلات تؤرقك، فلا تقلق، فأنت لست الوحيد.
لاحظت عالمة النفس والكاتبة الإيرلندية إيلين رايان، أن عدداً متزايداً من المرضى والقراء باتوا يعبرون عن قلقهم الوجودي والإنساني بسبب انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي في شتى مجالات الحياة. توضح رايان في لقاء نشرته مجلة "بيزنيس إنسايدر": "أسمع من الناس دوماً تساؤلات مثل 'كيف أجد لنفسي مكاناً الآن؟' و'ما الذي يمكنني تقديمه ولا يستطيع الذكاء الاصطناعي القيام به أفضل مني؟'. وهذا النوع من التساؤلات يعكس مخاوف إنسانية عميقة الجذور، مرتبطة بالشعور بعدم الأهمية أو عدم الانتماء".
وتروي الطبيبة النفسية من تجربتها الشخصية كيف يمكن للتكنولوجيا أن تؤثر على نظرتنا لأنفسنا وثقتنا بقدراتنا الإنسانية. فمؤخراً قامت رايان نفسها باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل نتائج فحوصاتها الطبية، واعترفت بأن التفسيرات التي قدمها البرنامج كانت أوضح وأبسط من توضيحات طبيبها الخاص، مما منحها شعوراً غريباً مختلطاً من الدهشة والانزعاج.
لكن رايان من جهة أخرى تحذر من الانسياق وراء مشاعر القلق أو محاولة تجاهل التقنيات الجديدة كلياً. وفي هذا السياق، توضح أن: "القلق من الذكاء الاصطناعي هو في النهاية قلق بشري طبيعي نعرف جيداً كيفية التعامل معه". وتنصح بالتعامل مع هذا القلق بنفس أساليب التعامل مع أي قلق آخر، وهي الملاحظة والتفهم التدريجي ومحاولة الاندماج بدل التهرب، قائلة: "حاول الاقتراب ببطء من هذه التقنيات كي تصبح مألوفة لديك، لأن خوفنا الأساسي ليس من التقنية ذاتها، بل من المجهول وعدم الوضوح الذي تسببه".
لكن وبينما تكتسب هذه النصائح قيمة كبيرة لمواجهة القلق نفسياً، لا ينبغي أن نتجاهل الأضرار الواقعية التي بدأت تفرضها تقنيات الذكاء الاصطناعي. فهناك مخاطر كبيرة احتمال أن تؤدي إلى انتشار العزلة الاجتماعية بعد توجه الناس للاعتماد على روبوتات المحادثة الآلية بدل التواصل البشري المباشر لخوض تجارب إنسانية مثل الصداقة والحب. كما هناك استخدامات خطيرة قد تساهم في نشر محتويات ضارة ومؤذية خصوصاً لفئة الأطفال والفئات الأكثر عرضة للتأثر.
ومع ذلك، فإن الحلول المطروحة حتى الآن تبدو إما قانونية تتمثل في معارك قضائية لحماية الحقوق من انتهاكات الذكاء الاصطناعي، أو متطرفة مثل محاولات التخريب وتعطيل مراكز البيانات. هنا تقترح رايان حلاً مجانياً وأبسط لا يكلف أكثر من اتخاذ قرار شخصي بعيد عن التعقيد: "ابتعد من فترة لأخرى عن حاسوبك، وانطلق لتلمس الطبيعة بعض الوقت".
ختاماً، لا أحد ينكر أن الذكاء الاصطناعي قد جاء ليبقى، والتحدي ليس في مواجهته بحد ذاته، بل في إيجاد التوازن بين قبول هذه التقنية الجديدة والتأكيد على القيمة الثابتة والمستمرة للجانب الإنساني من التجربة – الجانب العاطفي، العمق الفكري، والذكاء الاجتماعي – الذي يعجز عنه حتى أذكى الروبوتات. وربما لإثراء رسالة المقال أكثر، يمكن القول ببساطة: التقنية جاءت لتخدمنا لا لتحل محلنا، ويعود الأمر لنا كي نتحكم بتأثيرها في حياتنا اليومية.