ذكاء اصطناعي

الذكاء الاصطناعي يتحدى السرطان: بروتينات مبتكرة ترسم خريطة العلاج المناعي الجديد

محمد كمال
محمد كمال

4 د

الذكاء الاصطناعي يستخدم لتصميم بروتينات تدعم المناعة ضد السرطان.

حقق الباحثون من جامعة الدنمارك التقنية تقدماً باستخدام الذكاء الاصطناعي.

يساعد البروتين المطور الخلايا التائية على اكتشاف وقتل الخلايا السرطانية.

ترقب الآمال تخصيص علاجات مناعية للمرضى باستخدام تقنيات البروتين الحديثة.

يتطلب نجاح هذه الابتكارات مراحل اختبار طويلة قبل استخدامها في العلاجات.

في الآونة الأخيرة، شهد العالم الطبي نقلة نوعية مذهلة تمثّلت في الاستعانة بالذكاء الاصطناعي لتصميم بروتينات مخصصة قادرة على دعم جهاز المناعة في مواجهة السرطان. في دراسة حديثة نشرها باحثون من جامعة الدنمارك التقنية، تمكن الفريق من ابتكار بروتينات جديدة تعمل بمثابة نظام «جي بي إس» بيولوجي، يساعد الخلايا المناعية—المعروفة باسم الخلايا التائية—على تعقّب خلايا السرطان بدقة عالية وتدميرها.

منذ سنوات يحاول العلماء إيجاد وسائل ثورية تُحسّن فاعلية المناعة الذاتية في استهداف الأمراض المستعصية مثل الميلانوما، وهو أحد أخطر أنواع سرطان الجلد. الطبيعة المعقدة للخلايا السرطانية، وسعيها الدائم للاختباء من دفاعات الجسم، كانت دائماً العقبة الرئيسية في مسيرة الطب الحديث. هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي، الذي فتح الباب أمام تصميم بروتينات اصطناعية «مفصّلة» كسلاح جديد لخلايا المناعة، لتسهيل مهمتها في كشف وتتبع الخلايا الخبيثة.


كيف يعمل الذكاء الاصطناعي على توجيه الخلايا المناعية؟

لفهم العملية عن قرب، تخيل أن الذكاء الاصطناعي هنا يشبه تطبيق خرائط رقمي يحدد المسار الأمثل للوصول إلى هدف معين. قام الباحثون بإدخال بيانات عن البنية الجزيئية لهدفهم، أي البروتينات الموجودة على سطح الخلية السرطانية، إلى خوارزميات متقدمة سبق تدريبها على ملايين التراكيب البروتينية. استخدمت هذه الخوارزميات برامج مثل RFdiffusion لتوليد نماذج لبروتينات جديدة تناسب الهدف كالمفتاح مع القفل. بعد ذلك، طُوِّرت هذه الأشكال إلى سلاسل من الأحماض الأمينية، والتي ستكوّن البروتين الجديد بعد التصنيع الحيوي. وأخيراً، اختبر الفريق عشرات آلاف التصاميم—ومن بينها وقع الاختيار على بروتين واحد تميّز بقدرته على إرشاد الخلايا التائية إلى مواقع الخلايا السرطانية بدقة متناهية. في التجارب المخبرية، أظهرت الخلايا المجهزة بهذا البروتين المبتكر فعالية فورية في القضاء على خلايا الميلانوما ومنع تكاثرها.

وقد أدى نجاح هذه الطريقة إلى خلق آمال واسعة لإمكانية تطوير علاجات مناعية «حسب الطلب» لكل مريض، ما قد يشكل ثورة في علاج الأورام الصعبة. هذا التطور يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتقنيات تصميم البروتين باستخدام الحاسوب، والتي حصدت جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2024، حيث تستند جميعها إلى التوقع البنيوي والتخطيط الجزيئي عالي الدقة.


ثورة في صناعة الأدوية: ماذا يعني ذلك للمستقبل؟

ومع استعراض أثر الذكاء الاصطناعي على هذه التقنيات، يظهر بوضوح كيف أن سرعة تصميم البروتينات باتت تقاس بالأيام بدلاً من الشهور أو السنوات، وهو ما أشارت إليه تصريحات البروفيسور تيموثي جينكنز قائد الفريق البحثي. فبدلاً من الطرق التقليدية التي تعتمد على فحص بلايين الخلايا بحثاً عن مستقبلات متوافقة مع بروتينات الخلايا السرطانية، بات بالإمكان توجيه الذكاء الاصطناعي لاختيار تصاميم مرشحة في وقت وجيز. هذا التحول لا يوفر الوقت فحسب، بل يزيد من فرص العثور على تركيبات علاجية فعالة، ويقلل من احتمالية الفشل أو النتائج المحدودة.

ولهذا التحليل جانبه العملي أيضاً، فالبروتينات المصممة قد تُستخدم لمواجهة العديد من الأمراض الأخرى—not فقط السرطان—كالأمراض المناعية أو الأمراض المعدية أو حتى تطوير مضادات سموم للحيوانات السامة، كما أظهرت أبحاث سابقة للفريق ذاته في ابتكار مضادات سمية للأفاعي. كل هذه النتائج تشير إلى أن العالم الصحي يقف على أعتاب طفرات قد تعيد رسم صورة علاج المريض الفردي والجماعي مستقبلاً.

ذو صلة

ومع ذلك، يظل أمام هذه الابتكارات طريق اختبارات طويل داخل المختبرات وفي النماذج الحيوانية قبل أن تصل إلى تجارب سريرية على البشر. كما أوضح الباحث كريستوفر كليبانوف، ما تزال هناك تساؤلات حول كيفية استجابة الجسم البشري للبروتينات المصممة، واحتمالات ظهور ردود فعل مناعية غير مرغوبة، لكن الكل يتفق على أن الفكرة تفتح الباب أمام جيل جديد من العلاجات الذكية.

وبعد هذا الاستعراض للجهود البحثية المذهلة، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي أعطى العلم مفتاحاً جديداً—أو «مرشداً خفياً»—لمحاربة أعتى أمراض العصر على مستوى الخلية الجزيئية. سيكون من المفيد مستقبلاً تعميق الشرح حول مفهوم المناعة الذاتية أو استعمال كلمة «ابتكار» كمرادف لكلمة «تصميم» عند الحديث عن البروتينات، لتعزيز قوة الربط في النص. كما أن تخصيص جملة ربط إضافية بين تقنية الذكاء الاصطناعي والتغير التاريخي المتوقع في العلاج المناعي سيساهم في تعزيز أثر المقال لدى القارئ. هكذا يبدو المستقبل الطبي أكثر إشراقاً بفضل هذا التلاقي الفريد بين الذكاء الاصطناعي والهندسة البيولوجية.

ذو صلة