ذكاء اصطناعي

الذكاء الاصطناعي يركض الآن… شريحة ضوئية تزيد قوته 100 مرة!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

ابتكر مهندسون شريحة إلكترونية جديدة تعتمد على الضوء لتنفيذ عمليات الذكاء الاصطناعي.

يُمكن لهذه الشريحة تقليل استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 100 مرة مقارنة بالشرائح التقليدية.

حققت الشريحة دقة تصل إلى 98% في التعرف على الأرقام المكتوبة بخط اليد.

تسمح باستخدام أطوال موجية متعددة لتشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي المعقدة بالتوازي.

يمثل هذا الابتكار خطوة نحو تطوير معالجات ذكاء اصطناعي أسرع وأكثر كفاءة.

في خبر قد يغير قواعد اللعبة في عالم الذكاء الاصطناعي، طور فريق من المهندسين شريحة إلكترونية جديدة تعتمد على الضوء بدل الكهرباء في تنفيذ واحدة من أعقد العمليات الحسابية في الذكاء الاصطناعي، وهي التعرّف على الصور واكتشاف الأنماط. هذه النقلة النوعية، التي مزجت بين الدوائر الضوئية والعدسات المجهرية، تفتح الباب أمام تقليل استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 100 مرة أفضل من الشرائح التقليدية، دون أن يؤثر ذلك على الأداء.


من الكهرباء إلى الضوء: ثورة في معالجة البيانات


تعتمد معظم الشرائح الإلكترونية الحالية على الكهرباء لنقل المعلومات ومعالجتها، وهو ما يستهلك طاقة هائلة، خاصة مع ازدهار تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل الرؤية الحاسوبية وتحليل البيانات الضخمة ومعالجة اللغات الطبيعية. التحدي الأكبر كان في "الالتفاف الحسابي" أو ما يعرف بعملية "Convolution"، والتي تعد أساس خوارزميات تعرّف الصور وتمييز الصوت وحتى فهم النصوص. استخدام الضوء، عبر أشعة الليزر وعدسات متناهية الصغر تُزرع مباشرة في لوحة الدوائر، مكّن العلماء من تقليص الطاقة المستهلكة وكذلك زمن تنفيذ العمليات بشكل غير مسبوق. هذا يسلط الضوء على الإمكانات الهائلة للدوائر الفوتونية كبديل للدارات الإلكترونية الكلاسيكية، ويمهّد لإنتاج معالجات أسرع وأكثر توفيرًا للطاقة.

ولكي نفهم أهمية هذا التحول، يكفي معرفة أن شركات مثل إنفيديا تدير مراكز بيانات عملاقة تحتاج لمصادر ضخمة من الكهرباء لتغذية وحدات معالجة الرسوميات التي تشغّل نماذج الذكاء الاصطناعي. ومع تضاعف الطلب على تقنيات الذكاء الاصطناعي في الصناعات الطبية والذكاء الصناعي وحتى السيارات ذاتية القيادة، تصبح كفاءة الطاقة عنصراً حاسماً. وهنا تظهر القيمة الجوهرية للشرائح الضوئية الجديدة، فهي تسمح بتكثيف العمليات الحسابية دون القلق من استنزاف الموارد أو ارتفاع حرارة الأجهزة.


اختبار الأداء: نتائج مذهلة ودقة عالية


في تجارب أولية شملت التعرف على الأرقام المكتوبة بخط اليد، حققت الشريحة الجديدة نتيجة دقة وصلت إلى 98%، وهو ما يعادل أداء معظم الشرائح الإلكترونية المتقدمة حالياً. هذا الإنجاز يؤكد أن التحول إلى اعتماد الضوء لم يأتِ على حساب الجودة أو سرعة المعالجة. ويشير الباحثون إلى أن التصميم الفريد لهذه الشريحة يسمح بتمرير بيانات في شكل ضوء ليزري عبر مصفوفة عدسات دقيقية (عدسات فراينل)، لتجري العمليات الرياضية الضرورية، ثم تُحوّل النتيجة من جديد إلى إشارة رقمية. من الجدير بالذكر هنا أن عدسات فراينل، والتي لطالما استخدمت في المنارات البحرية، جرى تقزيمها لتصبح أرفع من شعرة الإنسان وتزرع على دارات الشريحة.

وهذا الأداء المتميز يضع الشريحة الجديدة في موقع تنافسي أمام أحدث المعالجات الرسومية، بل ويتفوّق عليها في جانب كفاءة الطاقة، وهو أمر طالما سعى له المهندسون والباحثون في مجال الإلكترونيات والذكاء الاصطناعي.


آفاق التقنية: إمكانيات غير مسبوقة للمعالجة المتوازية


ربما تكون الميزة الأهم في الشريحة الجديدة هي قدرتها على الاستفادة من خصائص الضوء نفسه؛ فالعلماء أوضحوا أنه يمكن استخدام عدة أطوال موجية (ألوان) من شعاع الليزر في الوقت ذاته لتنفيذ مهام معالجة متعددة بالتوازي. وهذا يعني إمكانية تشغيل تطبيقات ذكاء اصطناعي معقّدة، مثل تحليل الصور الطبية ثلاثية الأبعاد أو مراقبة خطوط الإنتاج في المصانع الذكية أو حتى معالجة البيانات الحية لحظيًا، دون عناء القلق حول البطء أو استهلاك الكهرباء المفرط.

ذو صلة

وهكذا، يتضح أن التقنية التي ظهرت من شراكة بحثية بين جامعات أمريكية رائدة كفلوريدا وجورج واشنطن ولوس أنجلوس لا تقتصر على كونها مجرد بديل للشرائح الحالية، بل تمثل جيلاً جديداً من معالجات الذكاء الاصطناعي، تحقق تطلعات الباحثين لشبكات عصبية أسرع وأوسع انتشاراً، بل وربما تدمج قريبًا ضمن أجهزة الحوسبة الشخصية والمصانع والمختبرات.

خاتمة
في زمن يسعى فيه العالم لترشيد استخدام الطاقة ومواكبة الطفرات التقنية، يبرز هذا الابتكار كعلامة فارقة في سباق تطوير الشرائح الذكية. الشريحة الضوئية الجديدة ليست فقط أسرع وأكثر كفاءة من منافساتها، بل تحمل رؤية لمستقبل يعتمد فيه الذكاء الاصطناعي على الضوء لتجاوز الحدود التقليدية في المعالجة والتعلم، مما يمهّد لعصر تندمج فيه الفوتونات مع الخوارزميات لإضاءة الطريق نحو تقنيات أكثر تقدماً وذكاءً وسرعة.

ذو صلة