ذكاء اصطناعي

 الذكاء الاصطناعي يعد بحلول لجميع الأمراض ويستعد لاختبار أول أدويته على البشر

محمد كمال
محمد كمال

3 د

تعمل إيزومورفيك لابس على اختبار دواء طور باستخدام الذكاء الاصطناعي على مرضى السرطان.

النظام AlphaFold 3 يُمكن من تصميم جزيئات دوائية تتفاعل بدقة مع البروتينات المرتبطة بالأمراض.

جمعت الشركة تمويلات بقيمة 600 مليون دولار لدعم تجاربها السريرية المستقبلية.

يثير الذكاء الاصطناعي تساؤلات حول الشفافية وقرارات تطوير الأدوية في "الصندوق الأسود".

تتحدى الشركة المخاوف لضمان ثقة المجتمع والاستفادة من العلاجات الرقمية المبتكرة.

تخيل عالمًا تختفي فيه الأمراض، ويصبح فيه السرطان مرضًا سهل العلاج. قد يبدو هذا كسيناريو من أفلام الخيال العلمي، لكنه في الحقيقة ليس بعيدًا كما نتصور. شركة "إيزومورفيك لابس" (Isomorphic Labs)، التابعة لمجموعة ألفابت الشركة الأم لجوجل، تعمل حاليًا على تحقيق هذا الحلم الكبير، وتتأهب الآن لاختبار دواء طورته بشكل كامل باستخدام الذكاء الاصطناعي على مرضى من البشر.

هذه الخطوة الجريئة كشفت عنها الشركة مؤخرًا في تصريحات لكولن موردوخ، رئيس إيزومورفيك لابس والمسؤول التجاري أيضًا في جوجل ديب مايند. وأكد موردوخ أنّ الشركة بصدد إجراء التجارب الإكلينيكية الأولى لهذه الأدوية في مجال الأورام السرطانية. مشروع مثل هذا، يحمل بلا شك آمالًا هائلة لملايين البشر الذين يعانون أو لديهم مريض عزيز يكافح مع مرض خطير أو تشير المؤشرات الطبية إلى استعصائه الحالي على العلاج.


كيف يعمل الذكاء الاصطناعي في تصميم الأدوية؟

حتى نفهم لماذا يُعتبر هذا الاختراق العلمي ثورة حقيقية في الطب، علينا أولاً أن نعرف كيف تتم عملية تصنيع الأدوية حتى الآن. تقليديًا، يعتمد إنتاج دواء جديد على سلسلة من المحاولات الأكثر تكلفة وتعقيداً، إذ يحتاج الأمر إلى ما يتراوح بين 10 إلى 15 عامًا، وتكاليف تتجاوز المليار دولار لاختبار دواء واحد فقط، مع معدلات إخفاق مرتفعة خلال مراحل الاختبار والتطوير.

لكن إيزومورفيك لابس اقتربت من قلب القواعد المتعارف عليها، بفضل نظام الذكاء الاصطناعي AlphaFold 3، الذي بوسعه رسم الشكل الدقيق ثلاثي الأبعاد للبروتينات التي تستهدفها الأدوية الجديدة. معنى ذلك باختصار هو القدرة على تصميم جزيئات دوائية تتفاعل تمامًا مع البروتينات المرتبطة بالمرض بشكل مثالي، ما يقلل من التجارب الفاشلة ويوفر سنوات من العمل ويخفض التكاليف المادية بشكل كبير.

وهذا الربط بين التقنيات الرقمية وتطوير العلاجات الجديدة أثمر عن اتفاقيات بمليارات الدولارات مع عمالقة صناعة الدواء العالمية، مثل نوفارتس وإيلي ليلي. وأمام هذه الفرص الواعدة تمكنت الشركة من جمع تمويل جديد بقيمة 600 مليون دولار أمريكي لتسريع دخول العلاجات المصممة بالذكاء الاصطناعي إلى التجارب السريرية في مجال الأورام السرطانية.

ولكن إلى جانب الحماسة والتفاؤل، هناك جانب آخر من القصة لابد من التوقف عنده والتأمل فيه قليلًا.


القلق من "الصندوق الأسود" في عصر الأدوية الذكية

لا شكّ أن التكنولوجيا الجديدة تتمتع بقدرة هائلة على إنقاذ حياة الملايين. لكن مع وجود الذكاء الاصطناعي في عملية تطوير الأدوية، تظهر أسئلة جدّية تحتاج للإجابة عنها بوضوح وشفافية: كيف يختار الذكاء الاصطناعي المواد والتركيبات التي سيستخدمها؟ وعلى أي أساس يتم اتخاذ القرارات؟ هذه هي مشكلة "الصندوق الأسود" في عالم التعلم الآلي، حيث لا يمكن للباحثين فهم كل خطوة يقوم بها الذكاء الاصطناعي بشكل دقيق.

المخاوف لا تنحصر فقط في الجانب التقني، بل تتجاوز لتشمل أسئلة حول ملكية الدواء وتكلفة الوصول إليه، فهل ستصبح التكنولوجيا بابًا جديدًا للاحتكار والسيطرة بشكل لم يسبق له مثيل؟

بالرغم من هذه التساؤلات المهمة، رفض متحدث باسم إيزومورفيك الكشف عن تفاصيل إضافية، مؤكدًا أن الشركة ليس لديها حاليًا معلومات أكثر لمشاركتها.

ذو صلة

بلا شك، نحن الآن في نقطة تحول كبرى. إذا تمكنت إيزومورفيك من تجاوز هذه العقبات بنجاح، فقد تكون أول من يستخدم الذكاء الصناعي في تحقيق اختراق طبي غير مسبوق. لكن لا يزال أمامها مهمة صعبة: كسب ثقة المجتمع المتشكك والمتخوف من التقنية الجديدة.

ومع اقتراب انطلاق التجارب الأولى على البشر، يبقى الرهان كبيرًا بين وعد التكنولوجيا بإيجاد علاج لكل مرض، ومخاطر انعدام الشفافية والاستغلال المادي. وربما تكون هذه هي اللحظة المثالية للجهات الرقابية الصحية وللحكومات لتعزيز الضوابط التي تضمن بقاء الإنسان في قلب العملية التقنية والطبية، وتمنع تحول العلاج إلى مجرد سلعة رقمية تحت سيطرة الشركات العملاقة.

ذو صلة