ذكاء اصطناعي

الذكاء الاصطناعي يكشف أسرارًا غير متوقعة في فيزياء “البلازما المغبرة”

محمد كمال
محمد كمال

4 د

نجح فريق من جامعة إموري في استخدام الذكاء الاصطناعي لفهم البلازما المغبرة.

استخدموا تقنيات تعلم الآلة لاكتشاف قوانين فيزيائية غير متبادلة بين الجزيئات.

فند الذكاء الاصطناعي معتقدات قديمة حول شحنات الجزيئات وقوى التفاعل بينها.

يساهم هذا البحث في فهم أنظمة معقدة مثل حشود الطيور وسلوك خلايا السرطان.

يثبت الذكاء الاصطناعي أنه أداة لاستكشاف قوانين الحركة الجماعية المعقدة.

تخيّل عالماً من الجسيمات الدقيقة تتراقص بحرية بين الغاز المشحون والغبار المعلق في الفضاء، بينما يحاول العلماء فك شفرة العلاقات الخفية بينها. اليوم، هناك من يساعد هؤلاء ليس فقط في إنجاز الحسابات أو التنبؤ، بل في اكتشاف قوانين فيزيائية جديدة غير متوقعة بالكامل: إنه الذكاء الاصطناعي.

من قلب جامعة إموري الأمريكية، تمكن فريق من الفيزيائيين التجريبيين والنظريين من الاستعانة بتقنيات تعلم الآلة—وتحديداً نموذج الشبكة العصبية—للغوص إلى عمق أسرار "البلازما المغبرة". هذا الوسط الغني هو غاز مؤيَّن مليء بجزيئات مشحونة وذرات غبار دقيقة، ويعد نموذجًا مصغَّرًا لعوالم نراها في حلقات زحل أو حتى في رمال القمر.


كيف غيّر الذكاء الاصطناعي قواعد اللعبة؟

النقطة التي ينبغي الالتفات إليها هنا أن الذكاء الاصطناعي لَم يُستخدَم «كأداة» تقليدية للمعالجة أو التنبؤ وحسب، بل كباحث مستقل اكتشف قوانين جديدة تحكم القوى "غير التبادلية" بين الجزيئات. عادةً، القوانين الفيزيائية تدرس القوى المتبادلة: إذا أثر جسيمٌ على آخر بقوة، فإن الجسيم الثاني يؤثر على الأول بقوة تماثلها في المقدار وتعاكسها في الاتجاه. البلازما المغبرة تخرج عن هذه القاعدة؛ فقوة الجذب أو الدفع بين الجزيئات لا تعود بنفس الطريق بالضرورة، ما يجعلها نظاماً معقداً وصعب المنال بالتحليل الرياضي فقط.

من هنا جاء الابتكار: استخدم الفريق كاميرات عالية السرعة وتقنيات تصوير مبتكرة لمتابعة حركة الجزيئات في ثلاثة أبعاد داخل غرفة فراغية مملوءة بالبلازما. جمعت هذه التجارب آلاف المسارات لجسيمات بحجم الميكرون، ومن ثم تناولها نموذج شبكي عصبي مصمم خصيصاً ليستخرج ثلاث قوى رئيسية هي قوة السحب (الدفع)، القوى البيئية مثل الجاذبية، وقوى التفاعل بين الجسيمات.

وهذا يربط بين تقنية الذكاء الاصطناعي المستخدمة في الدراسة وهوس العلماء بفهم أصل السلوك الجماعي المعقد—كسرب الطيور أو حركة خلايا السرطان—حيث لا يمكن تفسير الظاهرة الكاملة بمجرد جمع سلوك عناصرها الصغيرة، بل بنمط التفاعل فيما بينها.


تصحيح مفاهيم فيزياء البلازما: من المعتقد إلى الحقيقة

واحدة من أكثر النتائج إدهاشًا كانت دحض معتقدات سادت لعقود: على سبيل المثال، كان يُظن أن شحنة جسيم الغبار تكبر طرديًا مع نصف قطره، وأن قوة التفاعل بين جسيمين تنخفض بانتظام مع تزايد البعد بينهما بغض النظر عن حجمهما. التجارب والتعلم العميق أثبتا أن الواقع أكثر تعقيدًا؛ زيادة الشحنة مرتبطة بكثافة البلازما وحرارتها، وانخفاض قوة التفاعل يعتمد أيضًا على حجم الجسيمات.

وربما يهم القارئ معرفة أن فهم تفاعل الجسيمات في البلازما المغبرة لا يقتصر على الفضاء الخارجي أو حلقات زحل. حتى على سطح القمر، الغبار المتطاير يلتصق برواد الفضاء بسبب شحنته وتقديم هذا النوع من البلازما، بل وقد يتسبب الدخان المشحون في إضعاف إشارات الراديو أثناء حرائق الغابات بالأرض. وهكذا نصل لرؤية أوسع: دراسة الفيزياء الأساسية لهذه الأنظمة تفتح الباب أمام تطبيقات عملية في الاتصالات، المواد الصناعية، وحتى الطب الحيوي.

ما يجمع كل ذلك هو أن الذكاء الاصطناعي، حين يُصمم بذكاء ويُدَرَّب على بيانات دقيقة، لا يقتصر على استنساخ معرفة البشر بل يكتشف أنماطًا فيزيائية كانت غامضة عن النظرية التقليدية. فعبر هذا النهج الهجين من التجريب والمحاكاة الذكية، استخلص الباحثون أن القوى غير التبادلية يمكن توصيفها بدقة تتجاوز 99%، ما يوفر نافذة لفهم أي "منظومة عديدة الأجسام"—وهو مصطلح يشمل، من جسيمات الدهان الصناعي وصولًا إلى تجمعات الخلايا الحية.


من فيزياء البلازما إلى ثورة في دراسة الأنظمة المعقدة

اللافت أن النموذج الشبكي العصبي المستخدم ليس "صندوقًا أسود" غير مفهوم، بل يمكن للعلماء تتبع استنتاجاته وفهم آلية عمله. هذا التحوّل، كما يصفه البروفسور جاستن بيرتون، يمنح الفيزياء أداة جديدة لاستكشاف المجهول، تسمح باشتقاق القوانين مباشرة من ديناميكا الحركة، وليس فقط من نتائج نهائية أو نصوص مدرسية.

ويقول إاليا نيمانمان، المتخصص في الفيزياء النظرية وأحد كبار مؤلفي الدراسة، إن الخطوة القادمة ربما تكون تطبيق التقنية نفسها على أنظمة أكثر تعقيداً، مثل حشود الخلايا أو أسراب الطيور. حلم الفيزيائيين هو سبر قوانين الحركة الجماعية وفك شيفرة التنظيم الذاتي للمواد والأحياء، وقد أصبح قريب المنال بفضل هذا المزج البديع بين الذكاء الاصطناعي والاستقصاء التجريبي.

ذو صلة

من العملية هناك أيضًا درس مهم: الذكاء الاصطناعي لن يغني عن الفكر النقدي البشري. فاختيار نموذج الشبكة العصبية اللائم، وتجهيز التجارب الصحيحة وتفسير المخرجات، كلها مهام تعتمد على خبرة وعين الإنسان العالم.

مع كل تقدم كهذا، تبرز اقتراحات صغيرة تجعل الكتابة أكثر إشراقًا ودقة: ربما من المفيد أحيانًا استبدال كلمة "غير التبادلية" بمصطلح "اللافعلية المتبادلة" عند تعبيرنا عن القوى لتقوية الدلالة، أو دمج جملة ربط توضح كيف أن إنجاز الذكاء الاصطناعي في البلازما يلهمنا بتوقع نتائج باهرة في سلوك الخلايا أو المواد. بهذا الأسلوب، لا تظل الفيزياء حكرًا على المختبر، بل تصبح حكاية مفتوحة لكل من يدفعه الفضول العلمي، ويجد في التقنية بابًا لأسرار جديدة.

ذو صلة