الزبادي يدخل ساحة الطب: ثورة في علاج الجروح بفضل أسراره الخفية

4 د
الزبادي يحتوي على حويصلات خارجية تساهم في شفاء الجروح وتجدد الأنسجة.
تمكن العلماء من استخراج هذه الحويصلات واستخدامها في هيدروجيل لتسريع التئام الجروح.
الاختبارات أظهرت أن هيدروجيل الزبادي يحفز ظهور أوعية دموية جديدة وسرعة الاستجابة المناعية.
يتيح هذا الاكتشاف علاجات أكثر أمانًا واقتصادًا باستخدام موارد طبيعية مثل الزبادي.
من المؤكد أنك لم تتخيل أن إصلاح الخلايا المتضررة وتجديد الأنسجة يمكن أن يبدأ من عبوة زبادي باردة في ثلاجة منزلك. فبينما يسعى العلماء حول العالم لتطوير أساليب علاجية متقدمة باستخدام تقنيات الهندسة الحيوية وأدوات النانو المعقدة، أظهرت دراسة حديثة أن الزبادي، هذا المنتج الغذائي المتواضع، يحمل في كواليسه إمكانيات ثورية للمساهمة في شفاء الجروح وتجديد الأنسجة الطبيعية.
في بحث رائد نشر مؤخرًا من قبل باحثين في جامعتي كولومبيا الأمريكية وبادوفا الإيطالية، تمكّن العلماء من ابتكار هيدروجيل قابل للحقن مصمم خصيصًا لتسريع وتعزيز التئام الإصابات. المثير في الأمر ليس فكرة الهيدروجيل نفسها، بل العنصر الفعال الغامض المستخرج من الزبادي: حويصلات خارجية دقيقة تحمل بروتينات ومواد وراثية، تعرف بالإنجليزية باسم "extracellular vesicles" أو ببساطة "EVs".
بعد أن توصل فريق البحث إلى كيفية استخلاص هذه الجسيمات النانوية الحيوية من منتجات الزبادي الشائعة، اكتشفوا أن الحويصلات خارج الخلية ليست وسيلة لتجارب الفعالية فحسب، بل تبيّن أنها تملك قدرات ترميمية حقيقية وتعمل بمثابة رسائل وبرمجيات مجهرية تسهم في تنشيط خلايا الجسم وتحفيزها على النمو والتجديد، ما يمثل نقلة نوعية محتملة في طب الجروح.
حويصلات الزبادي: بُعد جديد في الطب البديل
هذا الاكتشاف يشير، حسب الباحثين أنفسهم، إلى أننا لا نحتاج دومًا إلى تقنيات مختبرية باهظة لترميم أنسجة الجسم؛ بل يمكن الاستفادة أحيانًا من موارد طبيعية غير مكلفة ومتوفرة بسهولة، مثل الزبادي. فعادةً، استخراج الحويصلات خارج الخلية بكميات كبيرة يتطلب عمليات مكلفة ونادرة، لكن الزبادي غني بها بشكل طبيعي. هذه الحويصلات تُمكِّن المواد الهلامية الجديدة من نقل "شيفرة" التعافي مباشرة إلى مواقع التلف، كما تخلق بيئة مماثلة للنسيج الحي تشجع الخلايا على الشفاء والزراعة من جديد. علاقة هذا التطور بموضوع علاج الجروح تكمن في أن الآليات القديمة لتسريع الشفاء غالبًا تعجز عن تحقيق استدامة طويلة أو دمج متناسق للطرف المصاب مع بقية الجسم.
ويرتبط هذا التوجه المتقدم أيضًا بأبحاث سابقة طورت فيها فرق بحثية مواد مشابهة لمحاكاة الجلد البشري أو لدعم الروبوتات اللينة، إلا أن هذه التجربة تتخطى ذلك باستخدام مصادر زراعية طبيعية تفتح المجال أمام علاجات أكثر أمانًا واقتصادًا.
دعم مذهل من نتائج التجارب الحيوية
لم تتوقف الاستكشافات عند الخصائص الكيميائية، بل امتدت إلى اختبارات عملية على نماذج حية: حقن العلماء الهيدروجيل الجديد المدعّم بحويصلات الزبادي في أجسام فئران التجارب، فوجدوا أنه لم يسبب أي أعراض مزعجة، بل حفز مبكرًا ظهور أوعية دموية جديدة، وهو عنصر محوري في استشفاء الجرح وإصلاح الأنسجة. تأثير هذه المواد لم يقتصر على التئام الأنسجة فحسب؛ بل لوحظ نشاط ملحوظ للخلايا المضادة للالتهاب، ما يجعل الاستجابة المناعية أسرع وأكثر فعالية.
وهذه النتائج تدفعنا للتساؤل حول مدى قدرة الحلول المستخلصة من الطبيعة، خاصة مزايا المواد الغذائية التي قلما نلتفت إليها، على منافسة علاجات مستقبلية متقدمة مثل الأدوية الجينية أو التركيبات الصناعية المعقدة.
عالم جديد من التخصصات الطبية بانتظار المزيد
من اللافت أن فريق الدراسة وسّع التجربة ليشمل حويصلات مستخلصة من خلايا ثدييات وبكتيريا، لتأكيد مرونة هذه التقنية وقوة منصتها القابلة للتخصيص مستقبلاً، ما يجعل أبواب العلاج التجديدي أكثر قابلية للوصول، ويمهّد الطريق أمام مرضى يعانون من جروح مزمنة أو حروق يصعب علاجها بالطرق التقليدية.
وتتلاقى كل تلك الحقائق مع البيان الذي أوضحه القائمون على البحث: المواد الجديدة التي تحاكي بيئة الجسم الطبيعية وتسرّع إصلاح الأنسجة، تعد ثورة طبية حقيقية في الهندسة الحيوية. لعل واحدة من الرسائل الضمنية الهامة هنا أن الإستفادة من منتجات البيئة اليومية قد تشكل نقطة تحول في الطب، فقط لو أمعنا النظر فيها بعيون مبتكرة.
انطلاقًا من استعراض هذه المعطيات، نجد أن الزبادي أصبح حديث المختبرات العالمية ليس كمادة غذائية مفيدة فقط، بل كمصدر غني بآليات إصلاح خلوية متطورة وقابلة للتطبيق في علاج إصابات الجسم وتعزيز الشفاء الذاتي. وفي ظل استمرار التجارب، قد نكتشف قريبًا أن طريق التداوي يمر أحيانًا عبر رفوف البقالة، مع ضرورة تطوير المصطلحات المستخدمة وشرحها بدقة أكبر أو ربط الجمل ببعضها توضيحًا لتسلسل الأفكار، ما يجعل المعلومات الطبية أكثر سهولة، ويمنح القراء فرصة التفاعل الفعّال مع الجديد في عالم الابتكار البيولوجي.