السباق نحو ثروات الأعماق البحرية: كيف تتجه الصين لتحكم قبضتها على مستقبل الطاقة؟

3 د
تحت أمواج المحيطات تختفي كنوز ضخمة من المعادن الثمينة والنادرة.
تتضمن العقيدات المعدنية تحت البحر عناصر حيوية لصناعة السيارات الكهربائية وألواح الطاقة الشمسية.
الصين حصلت على خمسة عقود استكشافية وهي الأكثر بين جميع الدول.
الصين تتحرك بذكاء عبر شراكات استراتيجية مع جزر صغيرة لضمان حصة مستقبلية.
تتصاعد الدعوات الدولية للتريث ودراسة التأثيرات البيئية قبل عمليات التعدين التجارية.
تحت الأمواج العميقة للمحيطات، هناك كنز هائل من المعادن الثمينة والنادرة قد يغير مسارات عالم الطاقة النظيفة. ولكن السؤال الملح الآن هو: من سيكون له السبق في الوصول إلى هذه الثروات الخفية؟ وفي صمت استراتيجي مبهر، بدأت الصين تهيئ نفسها لتصبح القائدة في هذا السباق البحري المثير، مبعثرة بذلك مشاعر مختلطة بين الفضول والترقب والقلق بين الدول.
في الأعماق البحرية المظلمة، تتخفى رواسب صخرية صغيرة تدعى "العُقيدات متعددة المعادن"، تحتوي على عناصر غاية في الأهمية كالنيكل والكوبالت والنحاس. وهذه العناصر هي العمود الفقري لصناعة السيارات الكهربائية وألواح الطاقة الشمسية وتوربينات الرياح، وهي ركائز المستقبل في عصر الطاقات المتجددة.
وبعد أن كانت هذه الموارد بعيدة المنال قبل بضعة عقود فقط، تحوّلت اليوم إلى هدف واعد لكل دولة تسعى جاهدة لتأمين مستقبل الطاقة لديها. لكن مغامرة الغوص في أعماق المحيطات واستخراج تلك المعادن يحمل الكثير من التحديات البيئية والعلمية. تعد المحيطات عالمًا حيًا مجهولًا لكثير من العلماء، لذا قد يكون للتدخل في هذه البيئات عواقب وخيمة على التنوع البيولوجي.
وفي ظل هذه المخاطر البيئية المحتملة، يبرز دور "هيئة قاع البحار الدولية" (ISA)، وهي المنظمة الوحيدة المخولة بمنح تراخيص استكشاف تلك الموارد الثمينة. ورغم محاولات منفردة لبعض الشركات الخاصة لتجاوز هذه الضوابط، إلا أن الصين تنتهج نهجًا مغايرًا، فحتى الآن حصلت بكين وحدها على خمسة عقود استكشافية من الهيئة الدولية— وهو الأعلى بين جميع الدول.
وتبدو الصين أكثر ذكاءً في تحركاتها؛ فقد أقامت شراكات استراتيجية محددة مع جزر صغيرة مثل كيريباتي وجزر كوك للمطالبة بحقوق الاستكشاف في مياهها الوطنية. هذا لا يعني بالضرورة أنها تنوي الإسراع في عمليات التعدين فورًا وإنما تستهدف تأمين حصة استراتيجية تمكنها من الهيمنة على هذا القطاع، في حالة بدء الاستخراج التجاري مستقبلًا.
وهذا يقودنا للسؤال التالي: ما الذي يدفع بكين لكل هذا الزخم، رغم إدراكها الكامل للصعوبات والتحديات التقنية؟ بحسب الخبراء، مثل جوليا شيو من جامعة شنغهاي جياو تونغ، إقدام الصين على هذه الخطوات يعكس استراتيجية بعيدة المدى. فالصين ربما لا تحتاج لاستخراج المعادن البحرية اليوم، لكنها تبحث عن تعزيز نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي وتأمين السيطرة على سلاسل التوريد العالمية في المستقبل.
وفي ظل هذا التسارع نحو هذه الكنوز البحرية، ظهرت أيضًا دعوات دولية جادة تنادي بتريث دولي يتراوح لعقد من الزمن لدراسة التأثيرات البيئية المحتملة. ووجه الرئيس الفرنسي ماكرون حديثه في "مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات" مؤيدًا بشكل واضح لفكرة تعليق هذه العمليات، مما يشير إلى تزايد الوعي بأهمية حماية النظم البيئية الحساسة.
على المستوى التقني، بالرغم من أن الصين ما زالت متأخرة نسبيًا عن الشركات الغربية مثل تلك الكندية التي تملك تقنيات استخراج متطورة، فإنها بالمقابل تمتاز بقدرات ضخمة في مجال التصنيع ومعالجة المعادن على نطاق واسع، وهو ما يمنحها تفوقًا استراتيجيًا لا يمكن إغفاله في سباق طويل الأمد كهذا.
في رحلة البحث عن هذه الثروات البحرية الثمينة، قد لا تكون الصين أول من يخوض مغامرة التعدين على نطاق تجاري، لكن تحركاتها المنظمة وقدراتها التقنية والتصنيعية ستجعلها لاعبًا رئيسيًا يفرض قواعد وشروط اللعبة عندما يحين الوقت لذلك.
وبالعودة إلى كلام أحد علماء البيئة البحرية، فإن التسابق على موارد المحيطات يُعطِي الأولوية للاقتصاد في معظم الأحيان دون مراعاة كافية للتحديات البيئية. وهذا يجب أن يدفعنا جميعًا للتساؤل: هل فعلاً يستحق هذا السباق استباق الفهم الكامل لتبعاته البيئية؟
في النهاية، هذه اللحظة تفرض علينا جميعًا تفكيرًا عميقًا حول حدود الاستخدام المسؤول لموارد كوكبنا، وتقديرًا أكبر لأهمية الموازنة بين المصالح الاستراتيجية وحماية بيئاتنا البحرية. ربما يمكننا تعزيز وضوح المقال بقليل من التضييق على زاوية تركيز الصين كقوة استراتيجية لتجنب التكرار، أو استخدام مرادفات أقوى قليلاً لكلمة "ثمين" في بعض المواضع. ومع ذلك، علينا الآن أن نراقب بحذر واهتمام تطورات هذا السباق البحري المثير، لعل وعسى أن نجد الإجابة المناسبة في الوقت المناسب.