الصين ترسم المستقبل: مفاعل نووي صغير يمد نصف مليون منزل بطاقة نظيفة

3 د
أطلقت الصين "لينغلونغ-1" لتوفير الطاقة النظيفة لنصف مليون منزل.
يُعتبر "ACP100" أول مفاعل نووي صغير عالمياً للاستخدام التجاري.
يمتاز المفاعل بتقنيات الأمان الذاتي ويخفض الانبعاثات الكربونية بفعالية.
يوفر المفاعل حلولاً للطاقة النظيفة في المناطق النائية والنامية.
يُمثل المشروع خطوة نحو مستقبل بيئي أفضل وأكثر نظافة.
تخيل معي للحظة أن تكون هناك محطة نووية للطاقة؛ صغيرة الحجم بحيث يمكن إنشاؤها بيسر وسرعة في أي مكان تقريباً، لكنها قوية بما يكفي لإيصال الكهرباء إلى أكثر من نصف مليون منزل. هذا ليس مجرد خيال أو رؤية مستقبلية بعيدة، بل واقع جديد صنعته الصين مؤخراً بإطلاقها للمفاعل النووي المدمج "لينغلونغ-1". هذا المشروع يبعث برسالة واضحة للعالم: الطاقة النظيفة يمكن أن تكون قوية وآمنة ومرنة.
يقع المفاعل الجديد، والذي يُعرف أيضاً باسم "ACP100"، في مقاطعة هاينان الخلابة جنوب الصين؛ وهو الأول من نوعه عالمياً الذي يصل إلى مراحل التركيب النهائية والمخصص للاستخدام التجاري. تُشرف على المشروع مؤسسة الصين الوطنية النووية، ضمن موقع هاينان النووي، وذلك في إطار خطة الصين الخمسية الرابعة عشرة لتطوير تقنيات الطاقة النووية الصديقة للبيئة وخفض انبعاثات الكربون بشكل كبير.
وهذا يقودنا للتعرف أكثر على خصوصية المفاعلات المصغّرة وتفوقها على المفاعلات التقليدية كبيرة الحجم. مفاعل لينغلونغ-1 هو مفاعل ماء مضغوط من الجيل الثالث، وأحد أكبر مزاياه هي سهولة تصنيعه وإمكانية تركيبه بسرعة وبتكلفة أقل بكثير مقارنة بمفاعلات الطاقة النووية التقليدية الضخمة. تخيل معي بناء محطة طاقة بأسلوب تجميع الوحدات الصغيرة، مثل قطع الليغو، بسرعة وسهولة مع الحفاظ على معايير السلامة العالية.
وبالحديث عن السلامة، يمتاز لينغلونغ-1 بنظم الأمان الذاتي أو ما يسمى "الأمان السلبي"، وهذا يعني أن المفاعل يمكنه التوقف بأمان من تلقاء نفسه دون الحاجة لتدخل بشري أو حتى كهرباء خارجية. وليس هذا فقط ما يجعله فريداً: لقد حاز هذا التصميم المبتكر موافقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مراجعة السلامة التي أجريت عام 2016، مما عزز الثقة في سلامته وجدواه عالمياً.
ويتمتع هذا المفاعل بإمكانات إنتاجية مدهشة؛ إذ تبلغ قدرته الكهربائية حوالي 125 ألف كيلووات، وبالتالي قادر على توليد ما يزيد عن مليار كيلووات/ساعة في العام الواحد. لفهم مدى ضخامة هذا الرقم أكثر، يكفي أن نقول إنه قادر على تزويد أكثر من 526 ألف منزل بالكهرباء النظيفة، وهو ما يلبّي حاجات حوالي مليون شخص. هذا يمثل بديلاً فعّالاً لمحطات الفحم التقليدية، ومن المتوقع أن يخفض المفاعل الانبعاثات الكربونية السنوية بنحو 880 ألف طن، ما يعني تعزيز حماية البيئة بشكل كبير يعادل تقريباً أثر زراعة أكثر من سبعة ملايين ونصف شجرة.
وهذا يأخذنا بوضوح إلى الصورة الأشمل والأكثر تحفيزاً؛ دور هذا المفاعل الصغير في مشهد الطاقة العالمي. فعلى عكس المفاعلات النووية التقليدية التي تحتاج لمساحات هائلة وبنية تحتية معقدة، فإن مفاعلات الوحدات الصغيرة مثل لينغلونغ-1 تتمتع بالمرونة الكبيرة في تحديد مواقعها، مما يجعلها مناسبة حتى للمناطق النائية والبلدان النامية التي تفتقد إلى بنية تحتية كافية للطاقة. يتوقع خبراء الطاقة أن هذه التكنولوجيا الصينية الجديدة ستكون منتجاً يتم تصديره عالمياً، وتساعد دولاً أخرى على تحقيق أهدافها في الحصول على طاقة نظيفة واقتصادية بسهولة وسرعة.
عندما نفكر في مستقبل الطاقة على المدى البعيد، يجب أن نطرح عدة أسئلة: هل سنرى انتشاراً واسعاً لمثل هذه المفاعلات في العالم العربي مثلاً؟ وهل ستكون هذه التقنية حلاً ممكناً للدول التي تعاني من نقص حاد في الطاقة؟ للإجابة على مثل هذه التساؤلات، من الضروري النظر بواقعية وموضوعية نحو إمكانات الطاقة النووية النظيفة وأهميتها المتزايدة في سياق الاحتياجات البيئية والتنموية العالمية.
إن مشروع لينغلونغ-1 لا يمثل مجرد إضافة تقنية: إنه علامة فارقة على الطريق نحو مستقبل بيئي أفضل وأكثر نظافة. من المأمول في المستقبل تطوير آليات واضحة ومبتكرة للتعامل مع مسألة النفايات النووية والحد من مخاطرها، فهذا الجانب لا يزال بحاجة لمزيد من البحث والحلول العملية؛ ولكن هذا المفاعل يحمل بالفعل الكثير من الوعود لتوفير طاقة مستدامة ونظيفة تلبي احتياجات ملايين البشر دون مخاطر كبيرة على البيئة.
والآن، عزيزي القارئ، أخبرني عن رأيك أنت. ما رأيك في استخدام التكنولوجيا النووية الصغيرة في منطقتك؟ هل تعتقد أن المستقبل هو للطاقة النووية المدمجة كحل عملي للطاقة النظيفة؟ شاركنا بأفكارك، ولنفتح حواراً واسعاً عن مستقبل الطاقة المتجددة والنظيفة.