العلماء في حيرة: أول ثقب أسود تم تصويره يقلب مجاله المغناطيسي

3 د
رُصد انقلاب في المجال المغناطيسي للثقب الأسود M87* بين عامي 2017 و2021.
ظل الثقب الأسود في الصورة الشهيرة ثابتاً، بينما تغير مجاله المحيط بشدة.
يبعد M87* حوالي 55 مليون سنة ضوئية وهو أثقل من الشمس بـ6.
5 مليار مرة.
الحقول المغناطيسية تؤثر في نفاثات المادة التي يطلقها الثقب بسرعات تقارب الضوء.
يخطط العلماء لإنشاء فيلم قصير لرصد تغيرات المجال المغناطيسي في ربيع 2026.
في اكتشاف غير مسبوق، رصد العلماء تغيراً عجيباً في محيط الثقب الأسود العملاق «M87*»، وهو أول ثقب أسود تمت مشاهدته بالصورة عام 2019. فقد بينت البيانات أن المجال المغناطيسي المحيط به قد انقلبت قطبيته بين عامي 2017 و2021، في أول حالة يتم تسجيلها على الإطلاق لمثل هذا التحول الكوني.
ما يجعل الأمر مدهشاً أن ظل الثقب الأسود بقي ثابتاً كما عرفناه في الصورة الشهيرة، لكن الغلاف المحيط به، المكوّن من بلازما مشحونة وممغنطة، شهد تغييرات جذرية تعكس ديناميكية هائلة في أكثر المناطق غموضاً في الكون. وهذا يفتح الباب على تساؤلات كبيرة حول الطريقة التي تتفاعل بها الثقوب السوداء مع المادة والضوء والطاقة المحيطة بها.
M87*: عملاق في قلب عنقود العذراء
يبعد هذا الثقب الأسود قرابة 55 مليون سنة ضوئية عن الأرض، ويقع وسط مجرة الإهليلجية الضخمة في عنقود العذراء المجري. ما يميّزه أنه يفوق كتلة شمسنا بنحو 6,5 مليار مرة، ما يجعله واحداً من أعظم الكائنات السماوية التي نعرفها. منذ أن نشر تلسكوب أفق الحدث صورته الأولى، تحوّل «M87*» إلى حجر زاوية في أبحاث الفيزياء الفلكية وعلوم الفضاء. والآن، عبر تحليل الاستقطاب الضوئي المنبعث منه، أدرك العلماء أن مغناطيسيته ليست جامدة، بل متقلبة ومتحولة.
وهذا يقود إلى نقطة محورية أخرى: فهم كيف تؤثر هذه التحولات في الظواهر الأكثر إثارة المرتبطة بالثقوب السوداء.
العلاقة بين الحقول المغناطيسية والنفاثات الكونية
يعرف «M87*» أيضاً بقدرته على إطلاق نفاثات هائلة من المادة، تمتد لمئات آلاف السنين الضوئية، وتندفع بسرعات تقارب سرعة الضوء. ويُعتقد أن الحقول المغناطيسية المنظمة حول الثقب الأسود تلعب دوراً جوهرياً في توجيه هذه النفاثات وفي تنظيم كيفية تدفق الطاقة داخل المجرات. إذ تعمل الخطوط المغناطيسية كمسارات تسهّل هروب بعض المواد من القرص التراكمي عوضاً عن سقوطها في فم الجاذبية العاتية. ومن خلال متابعة تحولات اتجاه الاستقطاب، يحصل الفلكيون على أدلة أولى عن طبيعة هذه البنى المغناطيسية، وعن مدى اضطرابها باستمرار.
وهنا يرتبط الأمر بالعصر الجديد لعلم الفلك الزمني، حيث لم تعد اللحظة الواحدة تكفي لفهم الثقب الأسود، بل متابعة تغيراته عبر السنوات.
نحو فيلم كوني للثقب الأسود
في ضوء هذا الكشف، يتطلع فريق تلسكوب أفق الحدث إلى حملة رصد طموحة مقرر لها ربيع 2026، تهدف إلى التقاط سلسلة سريعة من الصور أشبه بفيلم قصير لحياة «M87*». هذه اللقطات المتعاقبة ستتيح لأول مرة مشاهدة تاريخية لكيفية تغير الحقول المغناطيسية وتفاعل البلازما مع بيئة الجاذبية القصوى لحظة بلحظة، وهو ما قد يحدث ثورة في فهمنا لدور الثقوب السوداء في تكوين وتطور المجرات.
ومع كل كشف جديد يتضح أن الثقوب السوداء ليست فراغاً صامتاً يبتلع كل ما حوله، بل مختبرات طبيعية مدهشة تنبض بالحركة وتكشف عن أسرار الكون العميق. ربما يقودنا هذا الاكتشاف الأخير إلى إعادة صياغة نظريات الفيزياء الفلكية من جديد، ويؤكد أن أعظم الألغاز لا تزال أمام أعيننا تنتظر الولوج.