العنكبوت الذي أربك قوانين الطبيعة… نصفه ذكر ونصفه أنثى!

3 د
عُثر على عنكبوت جديد يحمل صفات ذكرية وأنثوية في غابات تايلاند.
يُطلق على هذا العنكبوت النادر اسم "دامارخوس إينازوما" وينتمي إلى فصيلة Bemmeridae.
يُميَّز هذا النوع بألوانه وتفاصيله الجسدية التي تعكس خصائص الجنسين.
يرجح العلماء أن الجيناندرومورفية ناتجة عن خلل في الكروموسومات أثناء التكوين.
يستلهم اسم العنكبوت من شخصيات الرسوم اليابانية، مما يربط الفن والعلم.
في اكتشاف نادر أدهش العلماء، عُثر في غابات غرب تايلاند على نوع جديد من العناكب يتمتع بخصائص ذكرية وأنثوية في آن واحد، ما فتح باباً واسعاً أمام الأبحاث الوراثية حول ظاهرة تُعرف باسم "الخنثوية المزدوجة" أو **الجيناندرومورفية**.
اكتشف باحثون من متحف التاريخ الطبيعي بجامعة شولالونغكورن في بانكوك الكائن الجديد الذي أُطلق عليه اسم **«دامارخوس إينازوما»**، وهو ينتمي إلى فصيلة _Bemmeridae_. وقد تم توثيق هذا الاكتشاف في دراسة علمية نُشرت مؤخراً في مجلة **Zootaxa**، لتكون هذه المرة الأولى التي يُسجَّل فيها وجود عنكبوت من هذه الفصيلة يحمل صفات جنسية مزدوجة بشكل متقابل على جانبي الجسم.
وهذا يربط بين الاكتشاف الجديد ونمط تطور الأنواع في بيئات استوائية معقدة كالتي تتميز بها غابات كانشانابوري غرب تايلاند.
ملامح النوع الجديد
يتصف هذا النوع بخصائص مختلفة بين الذكور والإناث؛ إذ يبلغ طول الذكر نحو 1.5 سنتيمتر بلون رمادي تغطيه طبقة بيضاء مجهولة التركيب، بينما تكون الأنثى أكبر حجماً قليلاً ذات لون برتقالي زاهٍ وخالٍ من تلك الطبقة. وعندما تُحفظ العينات في المختبر يتحول لونها إلى البني المحمر، ما يشير إلى تفاعل كيميائي محتمل مع مواد الحفظ.
وتتشابه العناكب الجديدة مع أفراد جنسها _Damarchus_، الذين يعيشون في جحور ترابية على شكل شوكة ويتربصون فيها للفرائس قبل الانقضاض عليها بسرعة فائقة. لكنّ العلماء لم يتمكنوا بعد من تحديد موقع هذا النوع بدقة داخل الشجرة الجينية للجنس، إذ لا تزال التحاليل الجزيئية قيد الدراسة.
أما العينة الأندر بين الجميع فكانت لعنكبوت **يجمع النصف الأيسر منه صفات أنثوية والنصف الأيمن ذكورية**، وهو ما منح الباحثين فرصة فريدة لدراسة الاختلاف التشريحي بين الجنسين داخل جسد واحد. ويُعد هذا الاكتشاف الأول من نوعه في العائلة المذكورة.
وهنا يبرز التساؤل الأهم حول الأسباب البيولوجية وراء هذه الظاهرة الغريبة التي شاهدها العلماء في كائنات أخرى ولكن بنسب ضئيلة.
لغز الانقسام الجنسي المزدوج
تُعزى الجيناندرومورفية إلى خلل في انقسام الكروموسومات الجنسية أثناء تكون البويضة المخصبة، حيث يؤدي فقدان كروموسوم جنسي أو أكثر إلى نشوء كائن ذي نصفين مختلفين في الجنس. وقد أشار بعض العلماء إلى احتمال تدخل عوامل طبيعية كالإصابات الطفيلية من الديدان الخيطية في تحفيز هذا الخلل.
ويُفرّق الباحثون بين هذه الظاهرة و«الخنثوية» المعروفة في بعض الكائنات؛ فالأخيرة تعني امتلاك الفرد لأعضاء تناسلية مزدوجة تعمل معاً، بينما في الجيناندرومورفية ينشطر الجسد نفسه بين سمتين واضحتين—نصف ذكر ونصف أنثى.
ذلك يقود بدوره إلى جذور الثقافة الشعبية وراء الاسم الذي اختاره العلماء لهذا النوع.
إلهام من عالم الفن والأنيمي
أطلق العلماء على العنكبوت اسم **«إينازوما»** تيمناً بشخصية من سلسلة الرسوم اليابانية _One Piece_، تُعرف بقدرتها على التحول بين الجنسين. ويرى الباحثون أن هذا الاسم يعبّر بدقة عن التناسق الغريب بين نصفه البرتقالي «الأنثوي» ونصفه الأبيض «الذكري»، في مشهد يعكس التناظر اللوني ذاته الذي تُظهره الشخصية الكرتونية.
ويشير العلماء إلى أن هذا التماثل اللوني ليس مجرد تفصيل جمالي، بل قد يكون مفتاحاً لفهم آليات التعبير الوراثي التي تجعل جنساً واحداً ينقسم إلى سمتين متعايشتين داخل الجسد الواحد.
هذا الربط الثقافي المبتكر يوضح كيف يمكن للعلم والفن أن يلتقيا في استلهام أسماء الكائنات الجديدة.
آفاق البحث المستقبلي
يأمل الفريق التايلاندي أن تفتح نتائجهم الباب أمام مزيد من الدراسات حول أسباب الجيناندرومورفية، ليس فقط في هذه الفصيلة من العناكب، بل في المملكة الحيوانية بأكملها. ووفقاً للباحثة ميليسا أيت لونس، فإن فهم هذه الظواهر سيسهم في توسيع معارفنا حول تطور الكروموسومات وديناميكيات الوراثة في الحيوانات.
بهذا الاكتشاف المثير، تُثبت تايلاند مرة أخرى أنها جنة الباحثين عن التنوع البيولوجي الغامض، حيث يختلط العلم بدهشة الطبيعة في أروع صورها، تاركاً الباب مفتوحاً أمام تساؤلات علمية قد تغيّر نظرتنا لماهية الجنس والهوية في الكائنات الحية.









