ذكاء اصطناعي

الفضاء مشحون حرفيًا.. وأقمارنا الصناعية في خطر

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشف العلماء أن الجسيمات الفضائية تسبب في حدوث تفريغات كهربائية للأقمار الصناعية.

رصد العلماء علاقة بين تدفق الإلكترونات ووقوع الشحنات الكهربائية في الفضاء.

تمكن العلماء من تتبع 272 حالة تفريغ كهربائي خلال عام واحد.

توفر هذه النتائج نافذة تحذير مبكرة للأقمار الصناعية للتعامل مع المخاطر.

الدراسة تفتح الباب لفهم أفضل للبيئة الفضائية وحماية الأقمار الصناعية مستقبلًا.

في تسعينيات القرن الماضي، وبينما كانت أنظار الملايين تتجه نحو القنوات التلفزيونية الفضائية، تعرض قمران صناعيان كنديان لانقطاع مفاجئ ضمن فترة لا تتجاوز الساعات القليلة. كانت هذه الواقعة جزءًا من سلسلة ألغاز حيرت العلماء طويلاً: ما الذي يتسبب في حدوث الشحنات الكهربائية والصدمات المفاجئة للأقمار الصناعية، بالرغم من كل نظم الحماية المصممة لها؟ اليوم، يحمل لنا فريق من العلماء أخباراً جديدة تشبه فك شفرة لغز قديم في عالم الفضاء.


الجسيمات المشحونة في الفضاء.. مصدر الخطر الرئيسي


خلال دورانهما في المدار الجغرافي الثابت، استقبل القمران “أنِك E1” و”أنِك E2” في عام 1994 عاصفة شمسية كبرى سببت تراكمات كهربائية أطلقت شرارات أفضت إلى تعطل الأجهزة بالكامل. لم يكنا الوحيدين؛ فقد عانت مئات الأقمار الصناعية من الظاهرة نفسها على مدار سنوات. لكن فريق بحثي أمريكي من مختبر لوس ألاموس الوطني، بتركيبه أجهزة استشعار دقيقة على قمر صناعي تابع لوزارة الدفاع الأمريكية، نجح أخيراً في رسم صورة أوضح لهذه الظاهرة. يظهر أن هناك علاقة مباشرة بين انبعاث الشحنات الكهربائية من الأقمار الصناعية وكثافة تيارات الإلكترونات المحيطة بها في الفضاء، وهو اكتشاف ربما يفتح باب التحذيرات المسبقة والوقاية.

هذه النتيجة أتت بعد مراقبة حثيثة استمرت لأكثر من عام، حيث رصد الخبراء 272 حالة تفريغ كهربائي قوي—كلها حدثت بعد فتراتٍ قصيرة تراوحت بين 24 و45 دقيقة من بلوغ تدفق الإلكترونات في الفضاء أعلى مستوياته. التتبع الدقيق لعلاقة الجسيمات الفضائية بهذه الظاهرة قد يسمح مستقبلاً بتنبؤ أوقات الخطر، وبالتالي تقليل أعطال الأقمار الصناعية وتلف تجهيزاتها الحيوية.


البيئة الفضائية: معركة دائمة مع الشحنات


ولو تساءلت ما هي طبيعة بيئة الفضاء من حولنا، فهي في الحقيقة زاخرة بتدفقات من الإلكترونات والبروتونات تأتي من الشمس مباشرة فيما يُعرف بالرياح الشمسية، إلى جانب انفجارات تُسمى بالانبعاثات الكتلية أو التوهجات الشمسية. في تلك المنطقة، تسبح أقمارنا الصناعية ضمن بحيرة من الجسيمات المشحونة القادمة أحياناً أيضاً من الغلاف المغناطيسي للأرض وغلافها الأيوني.

هذا التزاحم يسبب مشكلات جمة: فعندما تتراكم الشحنات في أجزاء مختلفة من أي قمر صناعي وتصل إلى حدٍ معين، يمكن أن تقع شرارات كهربائية، أو ما يُسمى بالتفريغ الكهروستاتيكي، مما يُحدث أعطالاً مفاجئة أو في بعض الحالات تلفًا لا يمكن إصلاحه بسهولة. الهجمات الشبحية للجسيمات الدقيقة هذه تفسر الكثير من الانقطاعات والأعطال غير المفهومة في عالم الأقمار الصناعية.


ربط البيانات.. ونهج جديد للتوقع المبكر


واللافت في البحث الجديد أن العلماء سجلوا نمطاً زمنياً واضحاً: غالبًا ما تصل ذروة نشاط الإلكترونات المحيطة قبل حصول التفريغ الكهربائي بنحو نصف ساعة تقريباً. هذا يتيح ما يسمى بـ"نافذة التحذير المبكر" للأقمار الصناعية؛ فإذا لاحظت الجهات المشغلة ارتفاع تركيز الإلكترونات، فلديهم دقائق ثمينة لاتخاذ تدابير وقائية وتوجيه استجابات سريعة تقلل المخاطر.


خطوات نحو حماية مستقبل الأقمار الصناعية


ما يجدر الإشارة إليه أن فريق البحث، بقيادة الدكتور أميتابه ناج من مختبر لوس ألاموس، استخدم مستشعرات تقيس كلاً من حركية الإلكترونات وترددات الشحنات الكهربائية. هذا ما سمح للفريق، للمرة الأولى، برصد الرابط المباشر بين كثافة الإلكترونات وحالات التفريغ الكهربي داخل وحول الأقمار الصناعية، وهي الخطوة التي طال انتظارها للخروج بتقنية أكثر تطوراً في مراقبة الظروف الفضائية والتعامل مع المخاطر مبكرًا.

ذو صلة

ومن هنا يمكن القول بأن هذه الدراسة تؤسس لثورة في كيفية قراءة محيط الأقمار الصناعية، فربط أنماط نشاط الجسيمات المشحونة بانبعاث الزوابع الكهربائية الخطيرة قد يمهّد الطريق نحو نظام إنذار مبكر جديد وموجّه بدقة.

خلاصة القول، لم يعد الخطر الذي يهدد البنية التحتية للاتصالات والمراقبة الفضائية مجرد لغز غامض. مع تراكم المعرفة حول سلوك الإلكترونات في الفضاء وعلاقتها بالتفريغات التي تصيب الأقمار الصناعية، يقترب المشغلون خطوة إضافية نحو حماية هذه الأصول الحيوية من صدمات كونية مجهولة. وما هذه القضية سوى تذكير آخر بأن سباقنا للاستفادة من الفضاء يعتمد، كما دائماً، على فهم البيئة الخفية والأسرار التي يخبئها الكون من حولنا.

ذو صلة