الفطر القاتل لعلماء الآثار والذي اشتهر بـلعنة الفراعنة، يتحول علاج واعد للسرطان!

3 د
يُعتقد أن "فطر لعنة الفراعنة" يمكن أن يصبح علاجًا لمرض السرطان.
اكتشف علماء بجامعة بنسلفانيا مركبات "أسبريجيميسين" من فطر Aspergillus flavus.
الفطر اعتُبر قاتلاً غامضًا، لكن الآن يملك إمكانيات مذهلة في علاج سرطان الدم.
التجارب أظهرت فعالية تضاهي أدوية السرطان التقليدية دون إضرار الخلايا السليمة.
العلماء يتطلعون إلى تجارب على الحيوانات قبل الانتقال للمرحلة السريرية.
هل تذكر حكايات "لعنة الفراعنة" التي استحوذت على خيال الملايين لسنوات؟ كانت تلك الروايات تروي قصصًا غريبة عن علماء آثار يفتحون قبورًا أثرية قديمة، ليصيبهم بعد فترة قصيرة مرض غامض يؤدي إلى موتهم بصورة مفاجئة. واليوم، يعتقد الباحثون أن أحد الفطريات التي عُرفت بمسمى "فطر لعنة الفراعنة" وربما كانت مسؤولة عن تلك الوفيات، يمكن أن تتحول بشكل مذهل من قاتل مخيف إلى علاج واعد لمرض السرطان.
اكتشف علماء من جامعة بنسلفانيا أن بإمكانهم تعديل بعض المواد الكيميائية الموجودة في فطر Aspergillus flavus، الذي اشتهر بمسؤوليته المحتملة في وفيات علماء الآثار، إلى مركبات جديدة تسمى "أسبريجيميسين"، تملك قدرة مذهلة على قتل خلايا سرطان الدم (اللوكيميا). الدراسة التي نُشرت في مجلة "نيتشر كميكال بيولوجي" (Nature Chemical Biology) أوضحت أن هذه المواد من ضمن مجموعة تُعرف باسم RiPPs؛ وهي ببتيدات تُصنع في الريبوسومات ويتم تعديلها ما بعد الترجمة، ومن خصائصها قدرتها العالية على إحداث تغييرات حيوية هامة.
ولكن كيف يمكن لفطر ارتبط على مر السنين بالأمراض والسموم، أن يتحول لصديق للبشرية؟ الحقيقة أنَّ Aspergillus flavus هو نوع معتاد من العفن، كثيرًا ما يوجد في التربة ويصيب مجموعة واسعة من المحاصيل الزراعية. هذا الفطر يُنتج مواد سامة قد تؤدي إلى عدوى رئوية خطيرة، وخصوصًا لدى الذين يعانون من ضعف في المناعة، فهو يمتلك جراثيم صفراء مميزة تكسبه سمعة "الشرير" بين الفطريات.
وبالعودة إلى خلفية هذا الفطر التاريخية، تعود جذور تسميته إلى حقبة العشرينيات من القرن الماضي، عندما فُتحت مقبرة الفرعون المصري توت عنخ آمون عام 1922، وتلا ذلك سلسلة غامضة من حالات الوفاة المحيطة بعلماء الآثار المشاركين في الحفريات، وظهر الاعتقاد لدى البعض أنها "لعنة فرعونية" غامضة. وفي السبعينيات، واجه عشرات الباحثين مصيرًا مشابهًا إثر دخولهم ضريح الملك البولندي كازيمير الرابع، لتشير التحقيقات فيما بعد إلى وجود هذا الفطر القاتل.
ومن التاريخ والغموض، تنقلنا الأبحاث اليوم إلى عالم الطب ومستقبل علاجات السرطان، حيث قام الفريق البحثي بفحص عشرات السلالات من الفطريات، ليصل إلى أن السلالة Aspergillus flavus تمتلك جينات خاصة تنتج مركبات "RiPPs" التي تمتلك قدرات مدهشة في مكافحة السرطان. وبعد إجراء بعض التعديلات الوراثية والكيميائية على تلك الببتيدات، استطاع العلماء تطوير مركب ذي كفاءة تساوى كفاءة أدوية السرطان التقليدية والمعتمدة رسميًا مثل "سيتارابين" و"دانووروبيسين".
وما يزيد من قوة هذه الاكتشافات الطبية الواعدة، أن الفريق البحثي استطاع تحديد الجين المسؤول في خلايا السرطان (SLC46A3) الذي يعمل كبوابة تسمح بدخول المادة العلاجية إلى داخل الخلية المريضة، وتساعد على تفكيكها من الداخل. وتبدو هذه الخاصية الانتقائية واعدة، حيث لا يؤثر الأسبريجيميسين سوى على خلايا سرطان الدم بشكل انتقائي، دون التسبب بضرر على خلايا الرئة أو الكبد أو الثدي أو أنواع أخرى من البكتيريا والفطريات النافعة.
هذه النتائج تفتح أبوابًا جديدة لإحداث نقلة نوعية في الطريقة التي نتعامل بها مع السرطان، بفضل فطر ظل لعقود رمزًا للرعب والغموض. ويأمل العلماء الآن في الانتقال إلى إجراء تجارب على الحيوانات، قبل أن يتطور العلاج نحو المراحل النهائية، وحتى الوصول إلى تجارب سريرية منظمة على البشر.
وكما قالت الباحثة شيري غاو، إحدى أعضاء الفريق البحثي في جامعة بنسلفانيا: "الطبيعة قدمت لنا صيدلية مدهشة مليئة بالأسرار، ودورنا كعلماء ومهندسين هو أن نكتشف تلك الكنوز لاستثمارها في إيجاد حلول أفضل للبشرية."
ويبقى العالم بانتظار هذه الثورة العلمية المبشرة القادمة من مكان لم يخطر ببال أحد: من فطر عاش طويلًا كرمز للموت ولعنة الفراعنة. وربما يكون تقديم هذا التحول في صورة أوضح للقارئ، باستخدام عبارات أوضح وأسلس بين بعض الفقرات، هو الطريق الأمثل لتعزيز الترابط وتوضيح الفكرة الرئيسية لهذه التحولات المدهشة من القاتل إلى المنقذ.