ذكاء اصطناعي

الكاكابو: الطائر الذي لا يطير… لكنه يعيش أكثر من قرن!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

الكاكابو هو ببغاء نادر لا يطير، يعيش في نيوزيلندا منذ ملايين السنين.

يعرف بوزنه الثقيل الذي يصل إلى أربعة كيلوغرامات، مما يمنعه من الطيران.

يعتمد الكاكابو على سلوك ليلي لتجنب الطيور الجارحة التي تصطاد نهارًا.

يتميز بأسلوب تزاوج فريد باستخدام أصوات الهدير لجذب الإناث.

جهود نيوزيلندا نجحت في حماية وزيادة أعداد الكاكابو المعرض للانقراض.

هل سمعت يوماً عن ببغاء لا يطير؟ الأمر ليس خيالاً، بل حقيقة مذهلة في عالم الطبيعة. الكاكابو، أحد أكثر الطيور ندرة في العالم، يُلقب بـ"ببغاء الليل" ويُعرف أيضاً بكونه أثقل أنواع الببغاوات. هذه الطيور الغريبة، التي عاشت في جزر نيوزيلندا لملايين السنين، كادت أن تختفي تماماً لولا جهود مكثفة لإنقاذها.

وهذا يفتح الباب أمام سؤال بسيط لكنه عميق: كيف يمكن أن يكون طائر ببغاء ضخماً، لكنه عاجز عن التحليق؟


ببغاء أثقل من أن يطير


الكاكابو يتميز بوزنه الكبير الذي قد يصل إلى أربعة كيلوغرامات وأكثر عند الذكور، وهو ما يجعله أضخم من أي ببغاء قادر على الطيران. وبالرغم من امتلاكه أجنحة، فإنها صغيرة وضعيفة مقارنة بكتلته، كما أن عظام صدره تفتقد التركيب الذي يساعد الطيور عادةً على الطيران. الباحثون يعزون هذا الحجم إلى ما يسمى "عمالقة الجزر"، وهي ظاهرة تجعل بعض الكائنات تكبر حجماً عندما تعيش طويلاً في بيئة قليلة المفترسات وغنية بالغذاء.

وبهذا يظهر كيف أن غياب التهديدات في الطبيعة قد يؤدي إلى تحولات جسدية غير معتادة، وهو ما يجعل الكاكابو نموذجاً حياً لدراسة التطور في الجزر.


صفات مدهشة وسلوك ليلي


من بعيد، قد يُشبه الكاكابو طائراً جارحاً. وجهه محاط بريش دائري يذكّرنا بالبومة، وهو السبب في تسميته أحياناً "ببغاء البومة". ريشه مزيج من ألوان زيتونية وخضراء مموهة تجعله يندمج مع الأشجار. وما يزيد غرابته أنه لا يخرج إلا ليلاً، متسللاً بين الأعشاب والغابات، وهو سلوك يُفسر بمحاولة تجنّب الطيور الجارحة التي تنشط نهاراً.

هذا السلوك الليلي منح الكاكابو ميزة للبقاء لفترة طويلة، لكنه لم يكن كافياً حين واجه مفترسات جديدة جلبها المستوطنون الأوروبيون مثل القطط والجرذان.


موسم التزاوج وعروض فريدة


الكاكابو لا يتزاوج كل عام، بل غالباً كل سنتين أو ثلاث حين تتوفر ثمار شجرة الـ"ريمو". الذكور تصدر أصوات "هدير" منخفضة تُسمع لمسافات طويلة بهدف جذب الإناث. هذه الطقوس تُعرف بأسلوب "الليكة"، ويعتبر الكاكابو النوع الوحيد من الببغاوات الذي يعتمد هذا السلوك الفريد.

هذه الطقوس المدهشة تدل على أن هذا الطائر يمتلك نظاماً بيولوجياً واجتماعياً مختلفاً تماماً عن باقي الببغاوات، مما يجعله حالة خاصة في علم الطيور.


من حافة الانقراض إلى أمل جديد


قبل نحو ثلاثين عاماً، لم يتبق من الكاكابو سوى أقل من 60 طائراً، وهو رقم ينذر بالاندثار الكامل. حينها أطلقت نيوزيلندا برنامج "استعادة الكاكابو" الذي نقل هذه الطيور إلى جزر خالية من المفترسات. بفضل هذه الجهود الجبارة، ارتفع العدد اليوم إلى أكثر من 240 طائراً يعيشون بأمان نسبي، في واحد من أنجح مشاريع إنقاذ الطيور في العالم.

وهكذا يبدو أن قصة الكاكابو ليست مجرد حكاية عن ببغاء ضخم لا يطير، بل نموذج ملهم لكيف يمكن للعلم والعمل الجماعي إنقاذ الكائنات من الانقراض المحتوم.


خاتمة


الكاكابو اليوم رمز حيّ لمعركة الطبيعة ضد التهديدات الحديثة، من الاستيطان البشري إلى المفترسات المستقدمة. وبين وزنه الثقيل وعجزه عن الطيران، وجد هذا الببغاء نفسه وجهاً لوجه أمام الانقراض، لكنه نجا بفضل تصميم العلماء والحماة. إن قصته تذكرنا دائماً بأن حماية التنوع البيولوجي ليست خياراً ثانوياً، بل مسؤولية مشتركة لضمان استمرار عجائب الأرض.

ذو صلة

ذو صلة