الكشف عن كوكب نادر عند حافة مجرتنا باستخدام ظاهرة من تنبؤات أينشتاين

3 د
اكتشاف كوكب بحجم المشتري على أطراف مجرة درب التبانة بتقنية عدسة الجاذبية.
الكوكب "AT2021uey b" يقع في منطقة نائية وتفتقر للعناصر الثقيلة اللازمة لتشكل الكواكب.
يدور الكوكب حول نجم "القزم الأحمر" ويستغرق نحو 11 عامًا لإكمال دورة كاملة.
التقنية المستعملة تعتمد على نظرية أينشتاين للنسبية العامة وانحناء الضوء.
هذا الاكتشاف يدفع لإعادة التفكير في نظريات تشكل الكواكب وانتشارها في المجرة.
يبدو أن الفضاء يأبى إلا أن يدهشنا في كل مرة، حيث تمكن علماء الفلك من الإعلان عن اكتشاف كوكب نادر بحجم كوكب المشتري، يقع على أطراف مجرة درب التبانة، وذلك باستخدام ظاهرة مذهلة تنبأ بها العالم ألبرت أينشتاين في نظريته الشهيرة للنسبية العامة.
لم يكن هذا الكشف سهلاً أبداً، فالعلماء استخدموا طريقة تُعرف بـ "عدسة الجاذبية الصغرية" (Gravitational Microlensing)، وهي ظاهرة تحدث عندما يعبر جسم ضخم، ككوكب مثلاً، أمام نجم بعيد في الفضاء. تتسبب جاذبية الكوكب القويّة في انحناء الضوء الصادر من النجم البعيد، ما يجعل النجم يبدو أكثر توهجاً للحظات وجيزة. هذا التوهج السريع كان المفتاح وراء اكتشاف الكوكب الذي تمّت تسميته "AT2021uey b".
موقع فريد يثير التساؤلات العلمية
المثير للاهتمام حقاً هو مكان "AT2021uey b" المميز على الطرف البعيد لمجرتنا حيث يبعد حوالي 3200 سنة ضوئية عن الأرض، ويقع في منطقة نائية تتميز بندرة العناصر الثقيلة فيها. تلك العناصر التي لطالما اعتبرها العلماء ضرورية لتشكل الكواكب، ما يجعل من مكان وجوده لغزاً حقيقياً. الأمر الذي دفع علماء الفلك لإعادة التفكير في نظرياتهم حول ظروف تشكل الكواكب وانتشارها في أماكن لم تكن بالحسبان سابقاً.
وهذا الغموض لا يتوقف عند هذا الحد، بل يمتد إلى طبيعة النجم الذي يدور حوله هذا الكوكب النادر، إذ إنه نجم من نوع "القزم الأحمر" (M-dwarf)، وهو نجم بارد وصغير الحجم مقارنة بشمسنا، ودرجة حرارته لا تتجاوز نصف درجة حرارة الشمس، ويستغرق الكوكب في إكمال دورة كاملة حوله حوالي 11 عاماً (4170 يوماً). هذا يعزز تساؤلات العلماء عن إمكانية تواجد كواكب عملاقة كهذه في مناطق نائية من المجرة.
وهذا ينقلنا للسؤال الهام: كيف كانت عملية اكتشافه؟ هنا تأتي أهمية تقنية عدسة الجاذبية التي تم استخدامها في هذا الاكتشاف؛ تلك التقنية التي تعتمد بصورة رئيسية على نتائج نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين. إذ تنص النظرية على أن وجود أي جسم ضخم في الفضاء يؤدي لتشوه في نسيج المكان والزمان (الزمكان)، ما يسبب انحناءً في الضوء القادم من خلف هذا الجسم، لتتشكل ظاهرة أشبه بعدسة مكبرة طبيعية، والتي يلتقطها العلماء بمراصدهم.
وقد علق مارياس ماسكوليوناس، الباحث المشارك في الدراسة من جامعة فيلنيوس في ليتوانيا، قائلاً: "الوصول لاكتشاف كهذا يتطلب الكثير من الخبرة والصبر، وربما القليل من الحظ أيضاً"، وتابع: "لأن تسعين بالمائة من النجوم التي نراقبها تتغير في سطوعها لأسباب مختلفة، وعدسة الجاذبية نادرة الحدوث جداً".
ومن جهتها، قالت قائدة البحث إديتا ستونكيوتِه إن تأثير هذا الاكتشاف ملحوظ على الأفكار التقليدية حول نشأة الكواكب. فقد كنا نعتقد أن كواكب الغاز العملاقة مثل المشتري يجب أن تتشكل في أماكن قريبة من نجومها، حيث الظروف الدافئة التي تسمح بتكدس الغاز. لكن يبدو أن هذه النظريات قد تحتاج إلى تعديلات كبيرة بعد اكتشاف كوكب بهذا الحجم في بيئة باردة وقاحلة.
وفي الختام، يعد اكتشاف الكوكب AT2021uey b، ليس فقط تأكيداً على صحة تنبؤات أينشتاين الرائدة، ولكنه يفتح الباب واسعاً أمام العلماء لإعادة النظر فيما نعرفه عن نشأة الكواكب وانتشارها في الكون. وبالطبع، يظل عالم الفضاء مليئاً بأسرار لا تحصى، ستكشفها سنوات قادمة من الرصد والتقصي العلمي. ولتعزيز رحلة القراءة هذه، يمكن للقارئ أن يفهم أكثر إذا أضفنا بعض الشرح المبسط لمبادئ نظرية أينشتاين للزمكان، مع استبدال بعض المفردات المركبة كـ"انحناء الضوء" بعبارات أكثر بساطة مثل "تشوه مسار الضوء". ويبقى هذا الاكتشاف الجميل تذكيراً بأن الفضاء ممتلئ بالمفاجآت التي تنتظر من يكشف عنها.