انقسام عمالقة التكنولوجيا في أوروبا: جوجل يمضي في توقيع ميثاق الذكاء الاصطناعي وميتا ترفض

4 د
جوجل تلتزم بتوقيع الميثاق الأوروبي للذكاء الاصطناعي رغم تحفظاتها.
ميتا ترفض الميثاق معتبرةً أنه يفرض حالة من عدم اليقين القانوني.
الاختلاف بين الشركات يبرز تساؤلات حول تأثير التنظيمات على الابتكار.
حذرت جوجل من أن بعض البنود قد تعرقل تطور النماذج الجديدة في أوروبا.
المدونة تهدف لتعزز الشفافية وحماية الملكية الفكرية وتقليل العبء الإداري.
في خطوة لافتة، أعلنت شركة جوجل التزامها بتوقيع الميثاق الأوروبي الطوعي لممارسات الذكاء الاصطناعي العام، لتنضم إلى شركات مثل OpenAI وMistral، وسط رفض واضح من ميتا وتصاعد الانقسام بين الشركات الكبرى حول تنظيم الذكاء الاصطناعي في أوروبا. هذا الإعلان أثار جدلاً واسعاً في أوساط وادي السيليكون والدوائر التقنية، نظراً لتباين مواقف اللاعبين الكبار، بينما يقف الاتحاد الأوروبي مصمماً على حماية حقوق المواطنين وتعزيز الشفافية في تطوير هذه التقنيات الثورية.
توقيع جوجل رغم التحفظات
رغم بعض التحفظات، أكدت جوجل أنها ستوقع على إطار العمل التطوعي الذي وضعه الاتحاد الأوروبي بهدف تعزيز النزاهة والموثوقية في تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة. وجاء تصريح كينت ووكر، رئيس الشؤون العالمية في شركة ألفابت، مؤكداً رغبة جوجل في أن يضمن الميثاق وصول المواطنين الأوروبيين والشركات إلى أدوات ذكاء اصطناعي عالية الجودة وآمنة. هذا الموقف يبعث برسالة واضحة مفادها أن عملاق التقنية العالمي مستعد للمشاركة بقوة في المشهد الأوروبي رغم قلقه من أن تؤدي بعض البنود إلى إعاقة التنافسية والإبداع.
هذا الانخراط من جوجل يأتي بينما تتواصل التساؤلات حول مدى تأثير تنظيمات الذكاء الاصطناعي على السوق الأوروبية والابتكار المحلي، ليُسلِط الضوء على رغبتها في الموازنة بين الامتثال والمخاوف بشأن ضرب مكانة أوروبا التنافسية في هذا المجال.
ميتا تصطف في الجهة المقابلة
في حين خطت جوجل خطوة نحو الالتزام، رفضت ميتا بشكل قاطع التوقيع على الميثاق، واصفةً إياه بأنه تجاوز تنظيمي يفرض حالة من عدم اليقين القانوني على مطوري أنظمة الذكاء الاصطناعي. جويل كابلان، الرئيس العالمي للشؤون الخارجية في ميتا، أشار إلى أن بنود الميثاق تتجاوز نطاق قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي نفسه، محذراً من أنها قد تعرقل تطوير ونشر نماذج الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً في القارة العجوز.
وهذا الموقف المتشدد من ميتا يُعمق الانقسام بين شركات التقنية الأمريكية في كيفية التعامل مع إجراءات الرقابة الأوروبية، خصوصاً مع مشاركة شركات مثل OpenAI وAnthropic وMistral في دعم المدونة الطوعية على عكس ميتا.
مخاوف حول تأثير الميثاق على الابتكار الأوروبي
بعيداً عن الانقسام بين الصفوف، حذرت جوجل بشكل صريح من أن بعض البنود، خاصة تلك التي قد تبتعد عن قوانين حقوق النشر الأوروبية أو تبطئ عملية الموافقات أو تفرض الكشف عن الأسرار التجارية، يمكن أن تعرقل تطوير النماذج الجديدة وتضر بمكانة أوروبا التنافسية. وتبرز هنا الحاجة لموازنة حماية الجمهور مع تحفيز الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، كما تؤكده جوجل التي قدرت أن استخدام الذكاء الاصطناعي بفعالية في أوروبا قد يضيف ما يقارب 1.4 تريليون يورو سنوياً لاقتصاد الاتحاد بحلول عام 2034.
واضح أن القلق ليس حكراً على جوجل، إذ سبق لأكثر من 40 شركة أوروبية رائدة مثل إيرباص ومرسيدس-بنز أن ناشدت بروكسل بتأجيل تطبيق اللوائح لمدة عامين، خوفاً على تنافسية القارة في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي. تعكس هذه المخاوف رغبة الشركات في إيجاد توازن بين حماية المستهلكين ودعم الابتكار المحلي.
تفاصيل المدونة الطوعية وأثرها المتوقع
وهنا نجد أن المدونة الطوعية صيغت عبر مشاورات معمقة مع نحو ألف جهة معنية، وركزت على جوانب الشفافية، حماية الملكية الفكرية، وضمان السلامة عند تطوير واستخدام الأنظمة الذكية المتقدمة. وتنص بنودها على منح الشركات الموقعة يقيناً قانونياً أكبر مع عبء إداري أقل، مما يشكل عامل جذب لمن يطمح للالتزام بقوانين الاتحاد الأوروبي بطريقة أكثر مرونة. ومن المنتظر أن تبدأ قواعد قانون الذكاء الاصطناعي الخاصة بالتطبيقات العامة في الثاني من أغسطس، على أن تحصل المنصات والشركات على فترة سنتين لضبط أوضاعها مع المتطلبات الجديدة، بينما ستكشف المفوضية الأوروبية قريباً عن قائمة الموقعين على هذه المدونة.
خلاصة وتوصيات لتحسين المشهد المستقبلي
تتضح اليوم ملامح الانقسام بين كبرى شركات التقنية عند مفترق طرق السياسة والابتكار، في ظل سعي الاتحاد الأوروبي لحماية الجمهور دون كبح جماح التطور التكنولوجي. في خضم هذا الجدل، يبدو أن جوجل ترسل رسالة مفادها أن التعاون أفضل من المواجهة، بينما تحبذ ميتا طريق الحذر والمطالبة بإعادة التفكير الجذري. ربما لو ركز الخطاب الأوروبي على التشاور المستمر مع القطاع وعلى توسيع تعريف الشفافية ليدعم الابتكار بدلاً من تعطيله بالنصوص القانونية الصارمة، لتعزز التفاهم بين كل الأطراف. ولعل استبدال بعض المصطلحات التقنية بمفردات أقرب لعامة الجمهور، أو توظيف جمل ربط توضح كيف تؤثر هذه التشريعات على الحياة اليومية للمواطنين والشركات الصغيرة، سيساهم في تقريب الرؤى وجعل الحوار حول الذكاء الاصطناعي أكثر واقعية وشمولاً.