ذكاء اصطناعي

باحثون يعيدون كتابة “الحمض المغناطيسي” لمادة باستخدام الضوء: ثورة مُرتقبة في تكنولوجيا المعلومات!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشف الفيزيائيون في جامعة كونستانس كيفية التحكم بخصائص الهيماتايت باستخدام نبضات ضوئية.

يمكن للتقنية الجديدة تغيير تردد الاهتزازات المغناطيسية بدون تسخين المادة بشكل ملحوظ.

الابتكار يقدم حلاً لمشاكل السخونة والطاقة في تكنولوجيا المعلومات التقليدية.

طرق الإثارة الضوئية قد تنقلنا لمستويات جديدة في الحوسبة ونقل البيانات.

هذه الأبحاث تمهد لتطبيقات متقدمة في فيزياء الكم والإلكترونيات الضوئية.

تخيل لو أمكن لمادة ما أن تتصرف مؤقتًا كأنها شيء مختلف تمامًا، دون الحاجة إلى مواد كيميائية معقدة أو تبريد شديد أو معدات متقدمة. اليوم، تمكن علماء الفيزياء في جامعة كونستانس الألمانية من تحقيق ذلك فعلًا، باستخدام نبضات ضوئية للتحكم في خصائص مادة شائعة هي الهيماتايت – أحد أنواع الحديد الخام – بدلاً من الاعتماد على الإجراءات التقليدية المعقدة. هذه النتيجة غير المتوقعة قد تمهد الطريق لثورة حقيقية في تقنيات تخزين المعلومات والاتصالات فائقة السرعة.

في قلب هذا الاكتشاف المثير يكمن مفهوم "الإثارات المغناطيسية" أو ما يسمى بالـ"ماغنون"، وهي اهتزازات جماعية للجسيمات المغناطيسية داخل المادة. عبر تسليط نبضات ليزر دقيقة ومدروسة، استطاع الفريق البحثي، بقيادة الدكتور دافيدي بوسيني، تحفيز وتوجيه أزواج من الماغنون بطريقة متماسكة ومن دون تسخين يُذكر للمادة. المفاجأة كانت أن هذه الطريقة الجديدة سمحت بتغيير خصائص المادة المغناطيسية، مثل تردد الاهتزازات وسعتها، وكأنها مادة أخرى تمامًا لكن مؤقتًا. المميز في هذا الإنجاز أنه تم في درجة حرارة الغرفة وبدون أي حاجة لعنصر نادر أو تجهيزات تبريد عميقة، مستخدمين فقط أحد أكثر البلورات الطبيعية وفرة على سطح الأرض.

هذا الإنجاز العلمي البحت لا يمثل مجرد استعراض لقدرات الفيزياء الحديثة، وإنما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتحديات مستقبل تكنولوجيا المعلومات. فمع انفجار كميات البيانات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، أصبح جليًا أن الطرق التقليدية لتخزين ونقل البيانات تقترب من حدودها القصوى بسبب مشاكل السخونة والبنية الإلكترونية البطيئة والمتطلبات الطاقوية المتزايدة. هنا يبرز اقتراح العديد من العلماء بالاعتماد على "دوران الإلكترون" ورسائل الموجات المغناطيسية كمُرسلات للمعلومات بسرعة تصل إلى تريليونات الاهتزازات في الثانية (تيرا هيرتز) – وهي تقنية يُمكن أن تحدث نقلة نوعية في سرعة وكفاءة نقل البيانات وحفظها.

تكمن أهمية بحث كونستانس الأخير في أنه تجاوز إحدى أبرز العقبات القديمة، حيث لم يكن بمستطاع العلماء سابقًا سوى تحفيز الماغنون عند أقل الترددات. أما اليوم، فلأول مرة، جرى التحكم بالموجات عالية التردد وذلك من خلال إثارة مباشرة ومبتكرة للماغنون الثنائي. يقول دافيدي بوسيني: "لقد كان ذلك مفاجئًا حتى لنظرياتنا العلمية لم تتوقع حدوثه مسبقًا. ليست الحرارة هي من تغير المادة، بل الضوء نفسه".

عنوان رئيسي: الأبعاد الكمية لتغيير المادة
من هنا تتشعب خيوط هذا البحث لتمتد إلى حافة ميادين الفيزياء الكمية. فمن خلال هذه الطريقة، تلوح إمكانية رصد ما يُعرف بتكثف بوز-آينشتاين للأنماط المغناطيسية عالية الطاقة ضمن بلورات الهيماتايت، بل وفي درجات حرارة معتدلة دون الحاجة إلى تبريد هائل. وهذا الأمر قد يسهل استكشاف كثير من الظواهر الكمية المعقدة التي لطالما اقتصرت على المعامل فائقة التبريد، ما يفتح آفاقًا عملية غير مسبوقة في علم الكم وتطبيقاته في الإلكترونيات الضوئية.

ويأتي هذا الدفع العلمي الجديد ليؤكد الإمكانيات البعيدة والبسيطة في آن واحد لتقنيات الليزر والمواد المغناطيسية الطبيعية. إذ لطالما كان الهيماتايت، المعروف باستخدامه في صناعة البوصلات منذ قرون، أقرب إلى الذهب العلمي المهمل. الآن، مع الإمكانيات المذهلة التي أظهرها هذا المعدن عبر الإثارات الضوئية، لايستبعد أن يصبح مكونًا رئيسيًا لمستقبل مختبرات البحث الكمومي وتكنولوجيا الاتصالات المتقدمة.

ذو صلة

هذا التجاوز لحدود المألوف يدلنا على أن الحلول الثورية غالبًا ما تكون كامنة في مواد وتقنيات مألوفة لدى الجميع، ولكن بنظرة مختلفة وأدوات دقيقة كأشعة الليزر فائقة السرعة والذكاء العلمي المعاصر في فهم خصائص الموجات والدورانات داخل البنى البلورية. ومع استمرار هذا النوع من الأبحاث، فلعلنا نرى قريبًا قفزات قريبة فعلًا لمزج التخزين والمعالجة والنقل الكهرومغناطيسي بمعايير لم نشهدها من قبل.

وبوضع الأمور في سياقها الأوسع، يبدو جليًا أن العالم على أعتاب موجة جديدة من الابتكار تعتمد على الاستفادة القصوى من خصائص المادة عبر أساليب غير حرارية وبتكلفة منخفضة نسبيًا ودون الحاجة للاستعانة بعناصر نادرة. ربما سيكون من المجدي في المستقبل استخدام مصطلحات أكثر تركيزًا على فكرة "التحكم الضوئي بالمادة"، كما أن إضافة جملة توضح صلة مثل هذه الابتكارات بتحقيق أحلام الحوسبة الكمومية ستقوي الجسر بين النظرية والتطبيق. هكذا تنسج لغة العلم خيطها الدقيق بين التخيل والتنفيذ، وتظل أسرار المادة تفتح لنا أبوابًا جديدة كل يوم.

ذو صلة