بالانتير: شركة تكنولوجيا تتحول إلى عين الدولة الأميركية في مراقبة المواطنين

4 د
بالانتير تكنولوجيز تدخل دائرة الجدال بسبب استخداماتها للذكاء الاصطناعي في جمع البيانات الشخصية.
اختيار ترامب لبالانتير لتنفيذ مشروع بيانات فيدرالي أثار قلق سياسي وحقوقي.
المخاوف تكمن في إساءة استخدام البيانات لإنشاء "هوية رقمية" قد تهدد المواطنين.
علاقات بيتر ثيل مع شخصيات سياسية كبيرة أثارت اتهامات بتوظيف التكنولوجيا لأهداف سياسية.
القلق يتزايد من تأثير الأثرياء التكنولوجيين على الديمقراطية عبر التحكم في البيانات.
تخيل أن تجمع دائرة حول كل المصادر الموجهة للذكاء الاصطناعي في أمريكا، وأخرى حول المؤسسات المرتبطة بالحكومة الأمريكية والجيش الأمريكي، ودائرة ثالثة حول الهيئات المسؤولة عن جمع البيانات الشخصية عن ملايين الأمريكيين. ثم أضف دائرة رابعة تضم جميع شركات وادي السيليكون التي يحذر البعض من أنها تحاول إبعاد أمريكا عن مسار الديمقراطية.
أين يُمكن أن تلتقي هذه الدوائر الأربع؟ الجواب هو شركة أمريكية ربما لم تسمع بها من قبل: بالانتير تكنولوجيز (Palantir Technologies)، التي أسسها قطب التكنولوجيا المثير للجدل بيتر ثيل.
بالانتير التي تستوحي اسمها من الرواية الشهيرة "سيد الخواتم" للكاتب تولكين، حيث كانت الـ"بالانتير" هي الحجر السحري المستخدم في التلاعب بالواقع، تحاول القيام بشيء مشابه في عالم التكنولوجيا الحقيقي: توفير قاعدة بيانات ضخمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، للمساعدة في تحليل البيانات الشخصية لسكان الولايات المتحدة.
تفاصيل مثيرة حول المشروع الجديد
في مارس الماضي، وقع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا يلزم جميع المؤسسات الفيدرالية بتبادل البيانات عن الأمريكيين. وقد اختار ترامب لتنفيذ هذه المهمة تحديدًا شركة بالانتير، في خطوة أثارت قلق العديد من الأوساط السياسية والحقوقية الأمريكية. وبدأت بالانتير بالفعل جمع المعلومات من أقسام حكومية مختلفة مثل وزارة الأمن الداخلي، الدفاع، الصحة والخدمات الإنسانية، إدارة الضمان الاجتماعي، وحتى مصلحة الضرائب. تشمل البيانات الطبية والحسابات البنكية وتفاصيل عديدة أخرى دقت ناقوس الخطر لدى أعضاء الكونغرس الأمريكي.
هذه الخطوة أثارت اعتراضات من داخل وخارج الشركة. فقد وقع 13 موظفًا سابقًا في بالانتير على رسالة تطالب الشركة بالتوقف عن التعاون مع ترامب. قالت المهندسة السابقة ليندا شيا: "حتى مع حسن النية، فإن دمج هذه البيانات بشكل واسع يرفع بشدة احتمال إساءة استخدامها".
كذلك انتقد سياسيون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي هذا المشروع وأبدوا مخاوف من سوء استخدام هذه المعلومات. فالنائب الجمهوري وارن ديفيدسون، على سبيل المثال، أشار إلى أن جمع كل هذه البيانات بهذا الشكل قد يؤدي في المستقبل إلى خلق "هوية رقمية" يُمكن استغلالها وانتهاكها بسهولة ضد المواطنين.
وهكذا تبدو بالانتير اليوم في قلب الجدل السياسي والتكنولوجي الناتج عن التعاون مع الحكومة الأمريكية. لكن لماذا اختار ترامب بالانتير بالذات لتنفيذ هذا المشروع؟
خيوط تربط بين المال والسياسة والتكنولوجيا
اختيار ترامب لبالانتير ليس وليد الصدفة، فبيتر ثيل مؤسس بالانتير وأحد أبرز مستثمري الشركة، هو من المقربين لإيلون ماسك الذي دعم بشكل واضح ترامب في الانتخابات الأخيرة. ماسك ذاته يعتبر المسؤول عن إدارة "قسم كفاءة الحكومة" DOGE، والتي اختارت بالانتير بشكل مباشر. ونتيجة لذلك، يتهم منتقدو المشروع ثيل وماسك بمحاولة استخدام تكنولوجيا متقدمة لخدمة أهداف سياسية مثيرة للجدل.
ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، فقد أشار مراقبون إلى علاقات شخصية تجمع ثيل بسياسيين كبار مثل نائب الرئيس JD فانْس، فضلاً عن ديفيد ساكس، المسؤول عن تنظيم الذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية في إدارة ترامب، والذي ارتبط مع ثيل منذ أيام الدراسة في جامعة ستانفورد.
المخاوف من العصر الذهبي الحديث لأثرياء التكنولوجيا
القلق المتزايد جراء هذه التطورات يرجع في أساسه إلى القلق من تكرار سيناريو "العصر الذهبي" للقرن العشرين، حينما أدى تراكم الثروة والنفوذ بيد مجموعة قليلة إلى حوادث مأساوية في بدايات القرن الماضي. والآن، يشير الكثيرون إلى مخاطر مشابهة تقف وراءها مجموعات نخبوية من أصحاب الثروات التكنولوجية، الذين قد يهددون الديمقراطية نفسها باستخدام بيانات المواطنين الشخصية.
وما يثير القلق تحديداً أيضًا هو تصريحات المدير التنفيذي لشركة بالانتير، أليكس كارب، الذي قال صراحة إن شركته تسعى لجعل شركائها "الأفضل عالميًا"، وأضاف في تصريح مثير للقلق أنها قد تسعى إلى "تخويف وربما قتل الأعداء إذا كان ذلك ضروريًا".
من هنا يبدو واضحًا أن بالانتير ليست مجرد شركة تكنولوجية عادية، بل باتت قوة نافذة قادرة بالفعل على التأثير في حياة الناس بشكل غير مسبوق.
في نهاية المطاف، يظل مستقبل هذه التكنولوجيا وتعامل الحكومات معها قضية تتطلب الاهتمام الدقيق والمزيد من الرقابة المجتمعية والسياسية. فهل يمكن أن تشكل هذه التطورات نقطة تحول تجاه الرقابة المكثفة على المواطنين وتعزيز سلطة الأثرياء؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة، مما يتطلب استمرار الجدل المفتوح والعمل الإعلامي المكثف لتوعية الناس بمخاطر وإمكانات تقنيات جمع البيانات المتقدمة.