بحر الشمال يثور! كويكب عملاق يشعل أضخم تسونامي عرفته البشرية!

3 د
أكد فريق بحثي بريطاني أن فوهة "سيلفر بيت" في بحر الشمال تشكلت نتيجة اصطدام كويكب.
يدل التصوير الزلزالي والأدلة الميكروسكوبية على أن الفوهة نتجت عن اصطدام عنيف.
الاكتشاف يعيد تعريف تاريخ بحر الشمال ويفهم تأثير الكويكبات على كوكبنا.
النماذج الحاسوبية تشير إلى أن الكويكب أطلق تسونامي هائل ضرب السواحل المحيطة.
النتائج تساعد في تقدير خطورة الاصطدامات المستقبلية والاحتياطات اللازمة.
في اكتشاف علمي يثير الدهشة، أكد فريق بحثي بريطاني أن فوهة "سيلفر بيت" العميقة في قاع بحر الشمال ليست نتاج حركة جيولوجية عادية، بل جرح قديم تركه ارتطام كويكب ضخم بالأرض قبل نحو خمسة وأربعين مليون عام.
توضح الدراسة التي قادها الدكتور أويستيان نيكلسون من جامعة "هيريوت وات" في إدنبره أن نتائج التصوير الزلزالي والأدلة الميكروسكوبية من بلورات الصخور، تكشف بوضوح أن الفوهة تشكلت نتيجة اصطدام عنيف أطلق أمواجاً عاتية وصلت إلى أكثر من مئة متر ارتفاعاً، أي ما يعادل تسونامي مدمر اجتاح المنطقة في دقائق معدودة.
وهذا الاكتشاف لا يعيد تعريف تاريخ بحر الشمال فحسب، بل يفتح نافذة لفهم كيفية تأثير الكويكبات في تشكيل الكوكب عبر مئات الملايين من السنين.
فوهة غامضة تتحول إلى دليل قاطع
تقع فوهة "سيلفر بيت" على عمق نحو سبعمئة متر تحت قاع البحر وعلى بعد ثمانين ميلاً من ساحل يوركشاير البريطاني. منذ اكتشافها عام 2002، كانت مصدر جدل علمي طويل: هل هي أثر سقوط جرم سماوي أم نتيجة طبيعية لحركة الملح والحمم في أعماق الأرض؟
بعض الباحثين مالوا إلى التفسيرات الجيولوجية التقليدية، لكن مع الزمن بدأت تظهر إشارات تدحض تلك الفرضيات. ومع توفر تقنيات تصوير زلزالي حديثة، تمكّن فريق نيكلسون من رؤية طبقات الصخور بوضوح غير مسبوق.
هذا التطور قاد إلى لحظة حاسمة حين اكتشف العلماء في عينات من حفر بئر نفطي مجاور بلورات من الكوارتز والفلسبار تعرضت لما يُعرف بـ"الصدمة المجهريّة"؛ وهي بنية لا تتشكل إلا تحت ضغط هائل لا يمكن أن تحدثه العمليات الأرضية المعتادة، بل فقط نتيجة ارتطام كويكب بسرعة خارقة.
وهنا يتضح الرابط بين شكل الفوهة الدائري المميز وبين النماذج العددية للموجات الناتجة عن التصادم، ما يقدم الدليل الحاسم على أن "سيلفر بيت" ليست ظاهرة جيولوجية عادية.
من الارتطام إلى التسونامي
تشير النماذج الحاسوبية التي أعدها البروفيسور غاريث كولينز من "إمبريال كوليدج" لندن إلى أن الكويكب الذي تسبب بالفوهة كان بقطر يقارب 160 متراً، ودخل الغلاف الجوي بزاوية منخفضة من الغرب. خلال لحظات، أحدث سحابة من الصخور والماء تجاوز ارتفاعها كيلومتر ونصف، قبل أن تنهار وتطلق موجة تسونامي هائلة ضربت السواحل المحيطة.
بهذه الأحداث، يمكن القول إن بحر الشمال شهد في تلك الحقبة "كارثة كونية مصغّرة" كان من الممكن أن تغيّر تضاريس المنطقة بأكملها لو وقعت على اليابسة.
وهذا يربط بين دراسة اليوم ومساعي العلماء لفهم تأثيرات الارتطامات الشبيهة التي غيّرت وجه الأرض سابقاً، مثل حدث انقراض الديناصورات المرتبط بفوهة "تشيكشولوب" المكسيكية.
فوهة نادرة تكشف ذاكرة الأرض القديمة
يشير الباحثون إلى أن وجود مثل هذه الفوهة تحت البحر يعد حدثاً نادراً جداً، فالنشاط التكتوني والتعرية المستمرة يمحو آثار الكوارث القديمة بمرور الزمن. حتى الآن، لا يُعرف سوى نحو 200 فوهة ناتجة عن اصطدام كويكبي على اليابسة، في حين تم رصد 33 فقط تحت المحيطات والبحار.
ويرى الدكتور نيكلسون أن هذا الاكتشاف لا يضيء على ماضٍ غابر فحسب، بل يساعد في الاستعداد لمستقبل محتمل، إذ يمكن استخدام هذه البيانات لتقدير مدى خطورة الاصطدامات القادمة إذا اقترب كويكب من الأرض يوماً ما.
وهذا الربط بين العلم القديم والعلوم المستقبلية يمنح دراسة "سيلفر بيت" أهمية تتجاوز حدود بحر الشمال إلى فهم شامل لكيفية بقاء كوكبنا رغم التهديدات الكونية المتكررة.
رسالة من عمق الزمن
يختتم فريق البحث بأن تأكيد أصل الفوهة كأثر اصطدام كويكبي يجعلها تقف إلى جانب أشهر الفوهات في العالم، ويضيف حلقة جديدة إلى سجل الأرض الجيولوجي المليء بالمفاجآت. إنها تذكير بأن كوكبنا ما زال يحمل آثار مواجهاته القديمة مع الفضاء، وأن فهم هذه العلامات ليس مجرد استكشاف للماضي، بل استثمار في حماية المستقبل.