بعد أن هدد الأرض وتجاوزها بسلام… كويكب “مدمر المدن” يقترب من القمر بشكلٍ لم يُرى من قبل!

كثيرًا ما نسمع عن الصخور الفضائية والأجرام السماوية التي تقترب من الأرض بين الحين والآخر، لكن يبدو أن هناك كويكبًا معينًا أثار اهتمام العلماء مؤخرًا بشكل كبير، ليس بسبب خطر اصطدامه بالأرض – فهذا الخطر انخفض وأصبح معدومًا تمامًا وفق أحدث الدراسات – بل لأن هناك احتمالاً غير بسيط أن يصطدم بالقمر عام 2032.

فما هي قصة هذا الكويكب المثير للجدل؟ وما سر شكله الغريب الذي أدهش العلماء؟

في ديسمبر عام 2024، اكتشف علماء الفلك الكويكب الذي يحمل الاسم "2024 YR4". وربما تتساءل عزيزي القارئ لماذا حصل الكويكب على لقب "قاتل المدن". في الواقع، جاء هذا الاسم عقب الكشف الأولي لاحتمال تصادمه مع الأرض وفقًا لحسابات دقيقة أجرتها وكالة الفضاء الأمريكية ناسا في مرحلة مبكرة من رصده.

في فبراير من هذا العام، وصلت نسبة خطر اصطدام هذا الجسم الفضائي الكبير بكوكب الأرض إلى 3.1%، وهذه النسبة كانت الأعلى على الإطلاق من بين كل الأجسام المماثلة التي رصدتها ناسا في تاريخها، وهو ما دفع العلماء إلى إطلاق تسمية "قاتل المدن"، كونه كان كبيرًا كفايةً ليحدث أضرارًا جسيمة في منطقة بحجم مدينة كبيرة.

لكن، لحسن الحظ، ومع جمع بيانات أدق ورصد مسار الكويكب بشكل أوضح، تراجع هذا الخطر بشكل كبير حتى بات خطر التصادم بالأرض شبه معدوم في الوقت الحالي (0.00078%)، وهو ما جعل العلماء يتنفسون الصعداء.

الاهتمام اليوم لم يعد منصبًا على خطر اصطدام 2024 YR4 بالأرض، إنما على احتمالية اصطدامه بالقمر بنسبة لا يُستهان بها (حوالي 3.8%) بحلول العام 2032. وعلى الرغم من أن اصطدام الكويكب بالقمر لن يُلحِقَ بأي حال من الأحوال ضررًا مباشرًا بالأرض وسكانها، إلا أنها واقعة ذات أهمية علمية كبيرة، وفرصة نادرة قد تتيح للباحثين فرصة رؤيتها ودراستها بشكل دقيق للمرة الأولى في التاريخ.

لعل الجديد والأكثر إثارة هذه المرة هو شكل هذا الكويكب بالتحديد. وفق دراسة حديثة نشرها فريق من العلماء باستخدام تلسكوب "جيميني الجنوبي" في تشيلي، تبين أن هذا الكويكب يأتي بشكل غير مألوف إطلاقًا إذا ما قورن بأغلب الكويكبات المعروفة.

يُشبه العلماء كويكب "2024 YR4" بقُرص أو قطعة دائرية مسطحة مثل قرص لعبة هوكي الجليد (Hockey puck). ومع أن أغلب الكويكبات المعروفة للباحثين تأتي في شكل بيضاوي أو مستطيل يشبه شكل "البطاطا"، إلا أن هذا الكويكب الجديد خرج عن القاعدة وقرر أن يكون استثناء ملفتًا للاهتمام.

علق الباحث الرئيسي للدراسة، د. برايس بولين، على هذه المفاجأة بالقول:

إضافةً إلى شكل الكويكب الغريب، درس العلماء انعكاسات الضوء المنعكسة عنه، وحددوا أنه يصنف ضمن نوع من الكويكبات المعروفة باسم (S–type)، وهي فئة غنية بالسيليكات، وهي مكونات معدنية متواجدة في الصخور، ومن أشهر أمثلتها الكوارتز. كما توصل العلماء أيضًا إلى أن الكويكب يدور بسرعة مثيرة للدهشة، إذ يُكمل دورة واحدة حول محوره كل 20 دقيقة فقط، كما تتراوح التوقعات حول حجمه بين 30 و65 مترًا.

على الرغم من ضآلة احتمال أن يصطدم هذا الجسم بالقمر، إلا أن الحدث – في حال وقوعه – لن يكون مدمرًا بأي حال، بل على العكس تمامًا، سيمثل فرصة تاريخية واستثنائية للعلماء كي يكتشفوا مزيدًا حول طبيعة سطح القمر وتشكيل الفوهات النيزكية وحجم تأثير الجسم الفضائي على الحجم الحقيقي والعمق للفوهة الناتجة.

في النهاية، سواء اصطدم 2024 YR4 بالقمر عام 2032 أو لا، فقد أعطانا هذا الكويكب درسًا قيّمًا للغاية؛ بأن العلم والفلك ما يزالان قادرين على مفاجأتنا. وحتى ذلك الوقت، سيواصل العلماء مراقبة هذا الجسم الفضائي وغيره بشكل مستمر لتجنب أية مفاجآت غير محسوبة على المدى الطويل.