ذكاء اصطناعي

بعد قرن من التجارب: العلماء يلتقطون صورة ظاهرة غامضة تسمى “الصوت الثاني” لأول مرة!

فريق العمل
فريق العمل

3 د

تمكن فريق من العلماء من تصوير ظاهرة "الصوت الثاني" للمرة الأولى.

استخدم العلماء ترددات الراديو لرصد الاهتزازات في سائل فائق البرودة.

يعزز الاكتشاف فهم الأنظمة المعقدة مثل النجوم النيترونية والموصلات الفائقة.

يوفر الاكتشاف إمكانيات لتطوير مواد فائقة التوصيل عند درجات حرارة أعلى.

البحث يفتح آفاقًا لحلول جديدة في الكفاءة الطاقية وشبكات الكهرباء المستقبلية.

تخيّل للحظة أن الحرارة لا تسري ببطء في الأجسام كالمعتاد، بل تنتقل في صورة موجات واضحة، تمامًا مثل الصوت الذي نسمعه. يبدو غريباً، أليس كذلك؟ رغم ذلك، فهذا تحديداً ما حققه علماء الفيزياء مؤخراً بعد انتظار دام لحوالي قرن كامل، عندما استطاعوا للمرة الأولى تصوير ظاهرة غامضة ومراوغة تعرف باسم "الصوت الثاني".

هذه الظاهرة، التي اقترحها الفيزيائي لازلو تيسا منذ عام 1938، بقيت دون تأكيد مباشر لسنوات طويلة، لكن فريقاً من الباحثين تمكن أخيراً من التقاط صور واضحة لها داخل "سائل فائق" شديد البرودة مصنوع من ذرات الليثيوم. والسائل الفائق هو حالة خاصة للمادة تظهر عند درجات حرارة تقترب جداً من الصفر المطلق، حيث تفقد المادة مقاومتها المعتادة وتصبح قادرة على التدفق بدون أي احتكاك، وتتحرك الحرارة فيه كموجات مرنة تتأرجح ذهاباً وإياباً كصدى الصوت.

ولكن كيف تمكن هؤلاء العلماء من النجاح في رصد هذه الظاهرة التي ظلت بعيداً عن العين طوال تلك الفترة؟ الجواب المثير للاهتمام يكمن في اعتمادهم طريقة مبتكرة وغير تقليدية، خاصة أن هذه السوائل فائقة البرودة لا تُصدر أي إشعاع حراري أو ضوء يمكن استخدامه للكشف عن تغيير في درجة الحرارة كما نفعل في الظروف العادية. لجأ العلماء إلى ترددات الراديو، مستغلين حقيقة مهمة وهي أن ذرات الليثيوم تهتز بترددات راديوية خاصة تتغير قليلاً وفقاً لدرجة الحرارة. من خلال تسليط موجات راديو مضبوطة، تمكن الفريق من مراقبة الاهتزازات الذرية التي تشبه أصوات أجراس صغيرة دقيقة، ورسموا بذلك أول صورة تفصيلية حية لانتشار موجة الحرارة هذه، أو ما نسميه "الصوت الثاني".

هذه الخطوة الجديدة ليست مجرد إنجاز أكاديمي مثير، بل قد تفتح آفاقاً علمية واعدة لفهم أنظمة أكثر تعقيداً، مثل النجوم النيترونية، وهي النجوم فائقة الكثافة التي تولد بعد انفجار النجوم العملاقة، وكذلك الموصلات الفائقة التي تعد واحدة من أحلام الفيزياء الحديثة بفضل قدرتها النظرية على توصيل الكهرباء دون فقد للطاقة.

وما يجعل الاكتشاف أكثر أهمية، بحسب البروفيسور مارتن زفيرلين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، الذي قاد البحث، هو التشابه الكبير بين السائل الفائق الذي درسه الفريق والظروف الموجودة في الأنظمة الفيزيائية الفائقة التعقيد، كالنجوم النيترونية والمواد فائقة التوصيل. وكما يعبر البروفيسور زفيرلين "الغاز الذي درسناه أقل كثافة من الهواء بمليون مرة، ومع ذلك يتصرف بقوانين مشابهة جداً لتلك الموجودة في الموصلات فائقة التوصيل أو النجوم النيترونية".

ذو صلة

هذا الربط المدهش بين عالم الجسيمات المتناهية الصغر وهذه الأنظمة الكونية المعقدة سيتيح للعلماء إمكانية اختبار نظريات فيزياء المادة بشكل أبسط وأكثر دقة، وربما يقدم حلولاً عملية لمشاكل واقعية، كابتكار مواد فائقة التوصيل عند درجات حرارة أعلى، ما يعني توفير هائل في الطاقة عند نقل الكهرباء لمسافات بعيدة، وجعل شبكات الكهرباء المستقبلية أكثر كفاءة وأقل تكلفة.

مع اقترابنا من ختام هذه القصة العلمية المثيرة، نجد أنها تذكير أقوى من أي وقت مضى بأن العلوم الأساسية قد تبدو للوهلة الأولى غير مترابطة مع حياتنا اليومية، لكنها في واقع الأمر تحمل بين طياتها وعوداً كبيرة لمستقبل أنظف وأكثر أماناً. وربما يكون هذا الاكتشاف بشأن "الصوت الثاني" مجرد البداية لأسرار أخرى على وشك الانكشاف، فور ابتكار العلماء لأدوات جديدة مبدعة قادرة على فتح أعيننا على ظواهر علمية خفية طالما بقيت لغزاً يصعب رصده وفهمه.

ذو صلة