بفضل تطور الحمض النووي لدى الأسماك: كيف أصبح الجلوس ممكناً للبشر؟

2 د
دراسة جديدة تربط بين تطور الأطراف في الثدييات وجينات أسماك قديمة.
إعادة توظيف الجينات المسؤولة عن المذرق قد ساعدت في ظهور الأصابع.
الجينات hox تتحكم بنمو الأطراف وتؤدي وظائف مختلفة في الأسماك والثدييات.
الأبحاث توضح أن التطور عملية إبداعية تعيد استخدام الأدوات الجينية القديمة.
حين ننظر إلى تنوع أطراف الثدييات – من أيدينا ذات الإبهام المعاكس إلى أجنحة الخفافيش وحتى حوافر الخيول – يصعب أن نتخيل أن أصل هذه البنى المدهشة قد ارتبط بجهاز الإخراج في الأسماك. دراسة حديثة نشرت في مجلة **Nature** تكشف أن ظهور الأصابع ربما كان نتيجة إعادة توظيف شبكة جينية كانت مسؤولة في الأصل عن تشكيل فتحة إخراجية لدى الأسماك تُعرف بـ“المذرق” أو **cloaca**.
وهذا يعيد صياغة فهمنا الكلاسيكي لتطور الأطراف، الذي اعتقد طويلاً أن الأصابع تطورت مباشرة من الأشعة الزعنفية عند الأسماك.
شبكة جينية واحدة.. وظيفتان مختلفتان
يركز البحث على عائلة من الجينات تُسمى **hox genes**، وهي “مفاتيح” تتحكم في نشاط مجموعات أخرى من الجينات أثناء التشكل الجنيني. في الثدييات، يؤدي تعطيل بعض هذه الجينات مثل **Hoxa13** و**Hoxd13** إلى فشل كلي في تكوين الأصابع. الأمر ذاته ظهر في أسماك الزرد، حيث يؤدي تعطيل جينات مماثلة إلى خلل في نمو الأشعة الزعنفية.
لكن عند التجربة باستخدام أداة **CRISPR** لحذف مناطق تنظيمية في الحمض النووي، فوجئ العلماء بأن التأثير في الأسماك لم يكن كما في الفئران. بمعنى آخر: النشاط الجيني بدا متشابهاً، لكن دوافعه الأصلية لم تكن هي نفسها.
من المذرق إلى الأطراف
عندما بحث الفريق العلمي عن المكان الذي تظل فيه هذه المناطق التنظيمية حاسمة عند الأسماك، وجدوا الجواب في المذرق، أي الفتحة المشتركة التي تتولى الإخراج والتكاثر. هذا يقود إلى استنتاج مهم: الدور الأساسي والأصلي لهذه الجينات كان في تنظيم نمو هذه المنطقة، ثم جرى “تجنيد” البرنامج الجيني نفسه لاحقاً لتشكيل أصابع الأطراف عند الكائنات الأرضية.
وبهذا، يصبح ظهور الأصابع مثالاً بارزاً على **إعادة تدوير التطور**، حيث يعاد استخدام أدوات جينية قديمة لإنجاز وظائف جديدة تماماً.
تعقيد أكبر من التوقعات
هذا التحول المفاهيمي يكسر فرضية التبسيط السابقة، التي افترضت أن هناك نظاماً واحداً متواصلاً بين زعانف الأسماك وأصابع الفقاريات. لكن الأدلة الجديدة تشير إلى أن التطور كان أكثر مرونة وتعرجاً، حيث أعاد توظيف شبكات جينية متعددة لأداء أدوار مختلفة.
وهذا يربط بين فهمنا الحالي لعلم الوراثة التطوري وبين الصورة الأوسع للطريقة التي تبني بها الطبيعة أشكال الحياة، عبر حلول ذكية ومتكررة غير متوقعة.
خاتمة
بكلمات أخرى، قد نكون مدينين بظهور أصابعنا – أحد أهم عناصر تفاعلنا مع العالم – إلى جينات ساعدت أسلاف الأسماك على تكوين جهاز إخراجي موحّد. الدراسة تثبت أن التطور ليس خطاً مستقيماً، بل عملية إبداعية مركبة، تستعير وتعيد تشكيل ما هو قائم لتوليد خصائص جديدة. ويبدو أن ما يجعلنا نمسك بالقلم أو بالهاتف اليوم بدأ ببرنامج وراثي قديم ارتبط بما يشبه “المؤخرة” في أسماك ما قبل التاريخ.









