بلا مطر… وبدون سماء: ولادة قوس قزح لا يُرى من الأرض

3 د
التقطت مهمة PUNCH التابعة لناسا أول صورة ملونة لضوء بروجي في الفضاء ناتج عن انعكاس الشمس على الغبار الكوني.
يستخدم المشروع تكنولوجيا الاستقطاب لرسم خرائط ثلاثية الأبعاد لحركة الرياح الشمسية والكورونا الشمسية.
تختلف الظاهرة البصرية عن قوس قزح الأرضي، وتعتمد على أنماط استقطاب الضوء المنعكس من الإلكترونات في الفضاء.
تعزز المهمة من قدرتنا على التنبؤ بالطقس الفضائي وتتبع العواصف الشمسية من المصدر حتى وصولها للأرض.
في حدث بصري نادر، التقطت مركبة PUNCH التابعة لوكالة ناسا صورة مذهلة لظاهرة تُشبه قوس قزح في الفضاء، تُعرف باسم الضوء البروجي الملون (Zodiacal Light). لكنها ليست كقوس قزح الأرضي، بل انعكاسٌ ملون لأشعة الشمس على غبار كوني يدور حول الشمس — وهو اكتشاف قد يُحدث ثورة في فهم حركة الرياح الشمسية وتحسين دقة التنبؤ بالطقس الفضائي.
مهمة PUNCH: أربع مركبات لرصد الشمس من كل الزوايا
مشروع PUNCH (Polarimeter to Unify the Corona and Heliosphere) هو مهمة استكشافية صغيرة أطلقتها ناسا في مارس 2025، وتتألف من أربع أقمار صناعية صغيرة تعمل بشكل متزامن، وتدور حول الأرض في مدار شمسي-قطبي يتيح لها رؤية كاملة بزاوية 360 درجة حول الشمس.
تركز هذه الأقمار على تتبع كيفية تحوّل الغلاف الجوي الخارجي للشمس (الكورونا) إلى رياح شمسية تنتشر في الفضاء بين الكواكب. ومن خلال أدوات تصوير متعددة، بينها تلسكوبات ذات مجال واسع (WFI) وكورونوغراف ضيق المجال (NFI) يُنشئ "كسوفاً اصطناعياً"، تراقب المركبات حركة المواد الشمسية باستمرار — وهو أمر بالغ الأهمية لحماية الأرض من العواصف الشمسية وتأثيرها على الاتصالات والملاحة.
الضوء البروجي: "قوس قزح" من الغبار الفضائي
الضوء البروجي هو وهج خافت ومثلث الشكل، يظهر في السماء المظلمة قبل الفجر أو بعد الغروب، نتيجة لانعكاس أشعة الشمس على غبار ناعم يطفو في مستوى مدار الكواكب. هذا الغبار — الذي يشكّل قرصًا مسطحًا حول الشمس — يتراوح حجمه بين 10 و300 ميكرومتر، ويمتد حتى ما بعد مدار الأرض.

بينما كان يُعتقد سابقًا أن مصدر هذا الغبار هو المذنّبات والكويكبات، تُشير بيانات من مركبة "جونو" إلى احتمال أن يكون كوكب المريخ مساهمًا رئيسيًا فيه، ما يضيف بُعدًا جديدًا لفهمنا لأصل هذا الضوء الغامض.
سر "الألوان الفضائية": التكنولوجيا القطبية تكشف ثلاثي الأبعاد
الابتكار الأكبر في مهمة PUNCH يتمثل في استخدام تكنولوجيا التصوير بالاستقطاب، وهي تقنية تسمح بتكوين خرائط ثلاثية الأبعاد للرياح الشمسية والكورونا، تمامًا كما تقوم نظارات الشمس المستقطبة بفلترة الضوء.
كل مركبة مجهزة بمصفيات ضوئية تلتقط الضوء المنعكس عن الإلكترونات في الرياح الشمسية، وهو ضوء يعرف بـ K-corona ويُعد أكثر خفوتًا بـ1000 مرة من نجوم الخلفية. بفضل أنظمة تحليل بيانات متقدمة، يمكن إزالة 99.9٪ من هذا الضجيج البصري مع الحفاظ على المعلومات المهمة.
وبجمع ثلاث صور مستقطبة كل 4 دقائق، تُنتج المركبات الأربع "أداة افتراضية" قادرة على تتبع الانبعاثات الكتلية الإكليلية من لحظة انطلاقها من الشمس حتى وصولها المحتمل إلى الأرض.
نحو تنبؤ أدق بالطقس الفضائي
هذه التقنية الواعدة قد تغيّر طريقة رصد العواصف الشمسية والتنبؤ بتأثيرها على أنظمة الاتصالات والطيران والأقمار الاصطناعية. إذ تُتيح معرفة دقيقة باتجاه وسرعة المادة الشمسية الخارجة من الشمس — وتُعد بذلك قفزة نوعية مقارنةً بالأدوات السابقة.
ظاهرة بصرية مبهرة... ومعرفة علمية أعمق
القوس الفضائي الذي التقطته ناسا ليس مجرد لوحة ضوئية بديعة، بل هو تجلٍّ مباشر للغبار الكوني الذي يرقص في مدارات الشمس. ويعكس هذا الاكتشاف التداخل الفريد بين علم الفضاء والفن الطبيعي، ويؤكد أن الضوء ليس مجرد إشعاع، بل مفتاح لفهم ديناميكيات الشمس ومحيطها الكوني.