تواصل عبر الافكار: تطوير شرائح جديدة للدماغ تمنح الأمل لذوي الاحتياجات الخاصة

4 د
تقترب تقنيات زراعة شرائح الدماغ من الانتقال للسوق التجاري، لتساعد ذوي الإعاقات.
شركات مثل Neuralink وSynchron تقدم حلولًا مبتكرة أقل توغلًا وأمانًا أفضل.
أصبحت التجارب أكثر تطورًا مع القدرة على فك رموز الأفكار والاتصالات اللاسلكية.
التطورات المستقبلية قد تشمل إضافة حاسة اللمس لتعزيز التجربة الحسية.
التحديات تتضمن البيانات الضخمة وتكاليف التجارب السريرية العالية.
تخيّل أن تستطيع التحكم في هاتفك المحمول، كتابة رسالة، أو تصفّح المواقع، بمجرد التفكير. اليوم تتحول هذه الفكرة إلى واقع ملموس، لمساعدة من فقدوا القدرة على الحركة أو الكلام. زراعة شرائح الدماغ والحواسيب العصبية، المعروفة بتقنيات واجهة الدماغ-الحاسوب (BCI)، اقتربت أخيراً من الانتقال من مرحلة المختبرات العلمية المكثفة إلى السوق التجارية وسوق المستخدمين النهائيين.
منذ عقدين تقريباً قام الباحثون لأول مرة بتجربة تحويل أفكار إنسان إلى حركة على شاشة حاسوب، واليوم تستعد شركات عديدة لتقديم حلول تعريفية تجارية قائمة على هذه التقنية، منها شركة Neuralink التابعة لرجل الأعمال المعروف إيلون ماسك، إلى جانب شركات بارزة أخرى مثل Blackrock Neurotech، وشركة Synchron التي تستخدم أساليب مبتكرة وأقل توغلًا.
تقنيات مبتكرة بخيارات أوسع وأمان أفضل
شركات مثل Blackrock تتميز بخبرة أوسع وأعلى بالمقارنة مع Neuralink؛ إذ طورت تقنيات أقل تدخلاً وأقل خطورة. تعتمد Synchron مثلاً على إدخال الأقطاب الكهربائية عبر الأوعية الدموية دون فتح الجمجمة، ما يجعل هذه الطرق بدائل أكثر أماناً ويسهل الحصول على موافقة مؤسسات مثل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA.
وتعمل هذه الأجهزة المزروعة عبر ترجمة الإشارات العصبية للدماغ إلى إشارات رقمية؛ فالدماغ يتواصل دائماً مع أجزاء الجسم عبر إشارات كهربية معينة، وعندما يخطط الإنسان لعمل حركة أو نطق كلمة معينة يصدر الدماغ إشارات خاصة يمكن للأقطاب العصبية المزروعة رصدها وتفسيرها.
وهذا تحديداً ما تقدمه تقنيات الكومبيوتر العصبي؛ تلتقط الأقطاب الإشارات الكهربية بناء على نوايا المستخدم، ثم ترسلها إلى حاسوب يقوم بتحويلها إلى أوامر، فتتحرك المؤشرات أو اليد الاصطناعية وتُصدر أصواتًا مماثلة للكلام.
تجارب واعدة تفتح آفاقًا جديدة
مؤخراً، أصبح شاب يُدعى نولاند أربو، والذي أصيب بشلل نتيجة حادث غوص، أول من تلقّى زرع Neuralink، وحظي اهتمامًا واسع النطاق بعد نجاح تجربة تحكمه بحاسوب بمجرد التفكير. يقول أربو واصفاً تجربته: "أن تُحرك المؤشر بمجرد التفكير أمر لا يُصدق. لقد ظننت في البداية أنه أمر خيالي".
ولكن، بالطبع، لم يكن الأمر مثالياً؛ بعد فترة من استخدام الشريحة اكتشفت Neuralink أن بعض الإلكترودات المزروعة في دماغ أربو بدأت بالتراجع، مما أدى إلى تقليل دقة حساسية الجهاز. إلا أن الشركة تواصل التطوير وتعلن زرع أجهزتها لدى عدة أشخاص آخرين، رغم ندرة المعلومات المنشورة حول هذه الحالات الإضافية حتى الآن.
وهذا يربط بين تجربة Neuralink وتاريخ أبعد من ذلك يعود لعام 2004، عندما قام الدكتور لي هوشبغ وفريقه من جامعة براون ومستشفى ماساتشوستس العام بتقديم تجربة أولية مشابهة لشخص مشلول فقد قدرته على الحركة يدعى مات نيغل. باستخدام اتصالات سلكية آنذاك، استطاع نيغل فتح بريد إلكتروني باستخدام تفكيره فقط. واليوم، أصبحت هذه التقنيات أكثر تطورًا وأقل تعقيدًا، مع استخدام تقنيات لاسلكية متقدمة وقابليات ذكاء اصطناعي تستمع إلى آلاف الخلايا العصبية في الدماغ وتفك رموز أفكار المستخدم بدقة عالية جداً.
إضافة حاسة اللمس.. التاسيس لمستقبل أكثر واقعية
وفي خطوة متقدمة لتطوير هذه التقنية، تعمل مراكز أبحاث مثل جامعة بيتسبرغ على إضافة الحواس إلى هذه الأنظمة، مثل تقنية إضافة حاسة اللمس. فالباحثة جينفر كولينغر وفريقها يؤكدون أنه لا يمكن للمستخدم الحصول على تحكم دقيق دون استشعار اللمس. في عام 2021، أجرت الجامعة تجربة ناجحة مع المستخدم ناثان كوبلاند، الذي استعاد جزئياً إحساس اللمس عبر طرف اصطناعي.
مع ذلك، من غير المرجح أن تدخل هذه الميزات المتطورة في الجيل الأول من المنتجات التجارية، والتي ستركز في البداية على التحكم البسيط في المؤشرات الحاسوبية والسماح للمستخدمين بالوصول لبرامج مثل مايكروسوفت أوفيس وخدمات التواصل الاجتماعي.
ورغم هذه النجاحات، لا تزال هناك تحديات تقنية مثل الحجم الهائل للبيانات التي تولدها آلاف الأقطاب العصبية، وكذلك تكلفة التجارب السريرية الضخمة المطلوبة لاعتماد هذه الأجهزة، والتي قد تصل لمئات الملايين.
ماجر، الرئيس التنفيذي لشركة Precision Neuroscience، التي طورت جهازاً أقل اقتحاماً يوضَع فوق الدماغ من دون اختراق القشرة الدماغية، يقول إنه رغم العقبات المرتقبة، يمكننا توقع أن نرى هذه التكنولوجيا في الأسواق خلال عامين أو ثلاثة من الآن.
وفي الختام، يمكن القول إن المستقبل يحمل بشائر حقيقية للأشخاص من ذوي الإعاقات الحركية والكلامية، حيث قد تصبح هذه الشرائح العصبية المزروعة وسيلة حياة جديدة للتواصل والتفاعل مع العالم من حولهم. ولعل الخطوة التالية الواجب أخذها في الاعتبار هي التركيز على تحسين دقة وسلامة زرع الشريحة، فاستبدال بعض المصطلحات التقنية المعقدة في الشرح بمفردات أوضح قد يزيد من فهم الجمهور ويُسهل انخراطهم أكثر مع هذا التطور المذهل.