ثورة ألمانية جديدة: محرك بلا بنزين أو ديزل أو بطاريات.. ويعمل بلا انبعاثات!

4 د
كشفت شركة "ليبهير" عن محرك يعتمد على الأمونيا كوقود دون انبعاثات كربونية.
الأمونيا تسهل تخزين ونقل طاقة الهيدروجين كوقود للمعدات الثقيلة.
تواجه الشركة تحديات احتراق الأمونيا بتطوير محرك ثنائي الوقود.
يسمح الابتكار بإنتاج الهيدروجين داخل المحرك لاستخدامه بشكل فعال.
تكنولوجيا جديدة تعد بتغيير شامل في الصناعة نحو طاقة نظيفة ومستدامة.
تصور أن تستيقظ يوماً لترى آليات ثقيلة عملاقة تعمل دون قطرة بنزين أو ديزل، بل دون حتى الحاجة لبطاريات كبيرة ثقيلة، وكل هذا مع صفر انبعاثات كربونية! ليس هذا مجرد حلم من المستقبل، بل هو ابتكار حقيقي كشفته مؤخراً شركة "ليبهير" الألمانية-السويسرية في واحدة من أكبر معارض المعدات الثقيلة "باوما 2025" في مدينة ميونيخ.
المحرك الجديد، الذي يعتمد على مادة "الأمونيا" كوقود، ليس مجرد ابتكار عابر، بل خطوة جريئة باتجاه عالم خالٍ من الانبعاثات الكربونية. وتعكف الشركة منذ سنوات على تطوير محركات تعمل ببدائل نظيفة وصديقة للبيئة مثل الهيدروجين والأمونيا.
لماذا الأمونيا تحديداً؟
قد تستغرب لماذا لجأت "ليبهير" بالتحديد لاستخدام وقود الأمونيا؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب أولاً أن نوضح بأن الأمونيا تعتبر وسيلة مثالية لتخزين ونقل طاقة الهيدروجين النظيفة، التي تنتج عبر عملية إلكتروليز الماء باستعمال مصادر طاقة خضراء مثل الرياح أو الطاقة الشمسية. والهيدروجين الناتج يُحول بعدها إلى ما يسمى "الأمونيا الخضراء".
من المميزات الجوهرية للأمونيا سهولة التخرين والنقل، ما يجعلها وقوداً مثالياً للمعدات الثقيلة في المناطق النائية أو الأماكن التي تفتقر إلى بنى تحتية كهربائية، كالمناجم والمناطق الزراعية والغابات. وهكذا يمكن بسهولة تحويل الأماكن التي كانت من أصعب المناطق بالنسبة لاعتماد الطاقة النظيفة إلى أماكن تعمل بكفاءة مع وقود أخضر.
وهذا يأخذنا للسؤال التالي وهو: كيف سيتم التعامل مع حرارة الاشتعال العالية للأمونيا مقارنةً بالديزل أو البنزين؟
مواجهة تحديات احتراق الأمونيا
لم يكن تحويل الأمونيا كوقود أمراً سهلاً، فدرجة حرارتها اللازمة للاشتعال تقارب 650 درجة مئوية (1200 درجة فهرنهايت)، وهو رقم مرتفع جداً إذا قورن بدرجة اشتعال البنزين أو الديزل التي تقل عن نصف هذه الرقم. هذه المعضلة جعلت الشركة الألمانية تتوجه نحو تطوير محرك ثنائي الوقود، وهو محرك يستهلك بشكل رئيسي الأمونيا مع كميات محدودة من وقود مساعد مثل الديزل أو الهيدروجين نفسه.
اليوم، باتت تقنية الشركة تسمح بإنتاج الهيدروجين مباشرة من الأمونيا داخل المحرك بواسطة محفزات مدمجة، ليتم استخدامه في بدء ورفع درجة حرارة الاحتراق إلى المستويات المطلوبة. والنتيجة؟ محركات قوية تلائم الآلات الثقيلة كالجرارات الضخمة وآليات التعدين والطرق دون أي انبعاثات لثاني أكسيد الكربون.
وهنا يجب أن ننتقل للحديث عن ما معنى هذا على أرض الواقع.
وقود المستقبل.. حلم يتحقق لقطاع المعدات الثقيلة
لطالما أحرزت السيارات العادية تقدماً ملحوظاً نحو الكهرباء، لكن قطاعات مثل التعدين والبناء والزراعة بقيت شبه معزولة عن هذه الثورة الخضراء. لكن مع محرك "ليبهير" الجديد، تصبح الآليات الثقيلة جزءاً كاملاً من هذا التغيير المنتظر. تخيل معي للحظة معدات ضخمة تعمل بصمت وبنقاء، تمامًا كما نتصور سيارة كهربائية حديثة في شوارع مدننا.
وتأتي أهمية هذه النقلة في ظل صعوبة أو استحالة توفير بنى تحتية كهربائية متقدمة في المناطق البعيدة، بجانب عدم جدوى البطاريات بالنسبة للمعدات الكبيرة التي تحتاج لقوة كبيرة ومدى عمل طويل، وهو ما جعل الأمونيا وقوداً مثالياً لهذا القطاع.
تفاعل عالمي.. والنهاية للوقود الأحفوري؟
هذا الابتكار الألماني ليس وحيداً في العالم، فاليابان والصين وغيرهما تسير على مسار مشابه حيث تُجرى تجارب لاستخدام الأمونيا في السيارات الصغيرة والمتوسطة، لكن سرعة تقدم السيارات الكهربائية تجعل هذه المحاولات تسير ببطء، بينما يأتي تطبيق الأمونيا في المعدات الثقيلة كحل عملي سريع ومنطقي يسد الفجوة بين الواقع الحالي وحلم الطاقة النظيفة 100%.
السؤال المطروح الآن هو: هل تمكنت الأمونيا من فرض نفسها كبديل عملي ومثالي للآلات الثقيلة عالمياً؟ أم هنالك عقبات ما زالت بانتظارها؟
على كل حال، يبقى نجاح هذه التقنية مرهوناً بتطوير شبكات إنتاج وتخزين وتوزيع الأمونيا الخضراء بشكل فعال واقتصادي. وإذا استطاعت دول العالم التعاون لبناء هذه الشبكات، فإن المستقبل قد بدأ بالفعل!
ولا ننسى أن الابتكار يحتاج أحياناً إلى لمسات بسيطة إضافية، كاستبدال مصطلحاً أكثر بساطةً مكان آخر معقد، أو إضافة توضيحات موجزة تعزز من وضوح الفكرة، غير أن الجهد الهائل المقدم في تطوير هذا المحرك يظل واضحاً وجديراً بالإعجاب. يبقى لنا أن نتابع معاً هذه التطورات لرؤية نتائج مثل هذه التقنيات في تغيير وجه الكوكب نحو مستقبل أفضل وأكثر نقاءً للجميع.