ذكاء اصطناعي

ثورة كورنيل الجديدة: رقاقة تفكّر مثل الدماغ وتعمل بطاقة ساعة ذكية

محمد كمال
محمد كمال

3 د

تقدم جامعة كورنيل شريحة "دماغ الموجات الدقيقة" بمعالجة أسرع وذكاء صناعي أقل استهلاكاً للطاقة.

تستخدم الشريحة الموجات الكهرومغناطيسية بدلاً من الدوائر الرقمية التقليدية، مما يمكنها معالجة عشرات الغيغاهرتز.

تتميز الشريحة بتصميم مستوحى من الشبكات العصبية البشرية، تتيح سرعة استجابة غير مسبوقة.

الشريحة مناسبة للأجهزة القابلة للارتداء والاتصالات الأمنية وحوسبة الأجهزة المحمولة بدون سحابة.

حقق المشروع تمويلاً من وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة (DARPA) ومرفق كورنيل لتقنيات النانو.

تخيّل معالجاً قادراً على التفكير بسرعة الموجات الرادارية، وبتكلفة طاقة أقل من مصباح صغير. هذا ليس خيالاً علمياً، بل مشروع واقعي من جامعة كورنيل التي طوّر مهندسوها أول شريحة في العالم تُعرف باسم “دماغ الموجات الدقيقة”، قادرة على إجراء الحسابات باستخدام الموجات الكهرومغناطيسية بدلاً من الدوائر الرقمية التقليدية.

يأتي هذا الابتكار بوصفه نقلة نوعية في مجال الإلكترونيات منخفضة الطاقة، إذ يمكنه تحليل البيانات والتعرّف على الأنماط وإجراء اتصالات لاسلكية في الوقت الحقيقي، وكل ذلك بطاقة لا تتجاوز 200 ملي واط فقط، كما أوضحت الدراسة المنشورة في مجلة *نيتشر إلكترونكس*.

وهناك ما هو أكثر إدهاشاً: الشريحة لا تعتمد على المعالجات الرقمية المعتادة، بل تعمل ضمن نطاق الترددات الميكروية، ما يمنحها سرعة معالجة هائلة تصل إلى عشرات الغيغاهرتز. بفضل هذه المرونة، تستطيع القيام بمهام متعددة كفك تشفير إشارات الراديو أو تتبع الأجسام بواسطة الرادار دون الحاجة إلى وحدات معالجة ضخمة. وهذا يضعها في قلب ثورة جديدة يمكن أن تغيّر شكل الحوسبة والذكاء الاصطناعي كما نعرفه.


بنية تشبه الدماغ وسرعة تفوق الخيال


تستمد الشريحة قوتها من تصميمها المستوحى من الشبكات العصبية في الدماغ البشري، حيث تتفاعل “أنماط كهرومغناطيسية” داخل مجاري موجية قابلة للضبط لتفسير البيانات والتعرف على التغيرات اللحظية. هذا النهج المادي المبتكر يختصر كثيراً من الخطوات الحسابية التي تستهلكها الأنظمة الرقمية التقليدية، ويتيح سرعة استجابة غير مسبوقة.

ويقول الباحث بال غوڤيند، المشرف الرئيسي على الدراسة، إن “السر في قابلية الموجة نفسها للتشكّل بشكل برمجي عبر نطاق واسع من الترددات، وهذا ما يجعلها أداة متعددة الاستخدامات قادرة على أداء المهام المختلفة دون الحاجة لإعادة تصميم الدوائر”. ويرى زملاؤه أن هذا الأسلوب يشبه “فوضى منضبطة” تتيح دقة عالية رغم اعتمادها على احتمالات فيزيائية بديلة.

وبالانتقال الطبيعي من هذه البنية الثورية إلى نطاق التطبيقات، تبرز قدرة الشريحة على التعامل مع المهام الأمنية والاتصالات المتقدمة.


استخدامات تمتد من الساعات الذكية إلى موجّهات الفضاء


بفضل حساسيتها العالية، يمكن للمعالج الجديد الكشف عن أنماط غير طبيعية في الإشارات اللاسلكية، ما يجعله مناسباً لأمن الشبكات ومراقبة الترددات المتعددة. كما يؤكد فريق كورنيل أن بإمكانهم مستقبلاً خفض استهلاك الطاقة أكثر، الأمر الذي سيفتح الباب أمام استخدامه في الحوسبة الطرفية على الأجهزة القابلة للارتداء والهواتف المحمولة، دون الاعتماد على الحوسبة السحابية.

وتوضح الأستاذة أليسا أبسل، المشاركة في الإشراف على المشروع، أن الهدف هو تمكين الأجهزة الصغيرة مثل الساعة الذكية من تنفيذ نماذج التعلم الآلي محلياً، قائلة: “نريد أن يصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً مدمجاً داخل العتاد نفسه، لا خدمة تعتمد على السحابة”.

وهذا يقود إلى تساؤل أعمق حول مستقبل هذه التكنولوجيا وكيف يمكن دمجها ضمن أنظمة المعالجة الحديثة.


نقلة في مفاهيم الحوسبة والبحث العلمي


رغم أن الشريحة ما زالت في طورها الأولي، فإن معدل الدقة الذي حققته في اختبارات تصنيف الإشارات اللاسلكية بلغ نحو 88%، وهو أداء يضاهي الشبكات العصبية الرقمية ولكن بطاقة ومساحة أقل بكثير. ويعمل الفريق حالياً على رفع مستوى الدقة وتكييف التصميم مع منصات المعالجة الميكروية والرقمية المعاصرة.

ذو صلة

يشير الباحثون كذلك إلى أن هذا الاكتشاف هو جزء من مشروع أوسع تم تمويله من وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة (DARPA) ومن مرفق كورنيل لتقنيات النانو، وهو ما يُبرز أهمية التعاون بين الأبحاث الأكاديمية والتمويل الحكومي في تحقيق اختراقات حقيقية.

ختاماً، يبدو أن “دماغ الموجات الدقيقة” لا يقتصر على كونه شريحة إلكترونية صغيرة، بل يمثل اتجاهاً جديداً في التفكير حول الحوسبة نفسها—حيث تتحوّل الفيزياء إلى منصة للحساب، وتتحول الموجة إلى العقل، فاتحةً الباب أمام جيل جديد من الذكاء الصناعي والسليكونات “الواعية”.

ذو صلة