جارتنا تنهار بصمت… العلماء يراقبون سحابة ماجلان الصغيرة وهي تتلاشى بين النجوم

3 د
كشفت دراسة حديثة أن "سحابة ماجلان الصغيرة" تتعرض لعملية تمزيق من جارتها الأكبر.
أظهرت بيانات مركبة "جايا" الفضائية حركة غير معتادة لـ 7 آلاف نجم في المجرة.
تشير الدراسة إلى أن بعض النجوم تتحرك نحو "سحابة ماجلان الكبيرة" والبعض يبتعد عنها.
أظهرت دراسة علمية حديثة نتائج صدمت علماء الفلك، حيث كشفت أن واحدة من أقرب المجرات إلينا تعيش حاليًا عملية تمزيق وتفكيك مستمرة من قبل مجرة جارة أكبر حجمًا.
هذا ما يحدث بالفعل مع "سحابة ماجلان الصغيرة"، وهي مجرة قزمة قريبة منا تقع على بُعد حوالي 200 ألف سنة ضوئية من كوكب الأرض. وتُعتبر هذه المجرة الصغيرة جارة قريبة تأخذ مدارات منتظمة حول مجرتنا العملاقة "درب التبانة"، بصحبة مجرة أخرى هي "سحابة ماجلان الكبيرة". وقد رجّحت دراسات سابقة أنه خلال بضعة مليارات من السنين، ستصطدم هاتان المجرتان الصغيرتان بمجرتنا، وتتحد معها لتشكّل كيانا كونيًا ضخمًا.
مفاجأة غير متوقعة من بيانات مركبة "جايا" الفضائية
في الوقت الذي كانت فيه أنظار العلماء متجهة نحو هذا المستقبل البعيد، جاءت نتائج دراسة مفاجئة، نُشرت مؤخرًا في المجلة العلمية The Astrophysical Journal Supplement Series، لتكشف أن "سحابة ماجلان الصغيرة" ربما لن تنتظر ذلك الاصطدام الكبير، لأن مصيرًا قاسيًا آخر بات انتظارها: التفتُّت والانهيار بفعل جارتها الأكبر "سحابة ماجلان الكبيرة".
وقد توصل الفريق البحثي بقيادة الفلكي الياباني كينغو تاتشيهارا، من جامعة ناغويا، إلى هذا الاكتشاف بعد تحليل معمق للبيانات التي جمعتها المركبة الفضائية الأوروبية Gaia - جايا، والتي كُلِّفت سابقًا برسم خرائط دقيقة لمواضع حوالي ملياري نجم في مجرتنا دُرب التبانة وما حولها. درس الباحثون حركة نحو 7 آلاف نجم داخل مجرة سحابة ماجلان الصغيرة على وجه التحديد، ليكتشفوا أن هذه النجوم، وبصورة مدهشة، تتحرك في اتجاهات مختلفة ومتعاكسة داخل المجرة الواحدة، كما اكتشفوا وجود ثقب أسود فيها.
يصف تاتشيهارا المشهد بوضوح قائلًا:
"لاحظنا أن بعضًا من نجوم هذه المجرة تتحرك نحو سحابة ماجلان الكبيرة، فيما البعض الآخر يبتعد عنها. هذا الأمر يُظهر بوضوح أن المجرة الأصغر تتعرض الآن لعملية تمزيق بطيئة بواسطة جارتها الأكبر".
نتائج مذهلة..ولكن ما هو السبب الحقيقي؟
النتيجة التي خرجت بها الدراسة كانت مفاجئة جدًا إلى الحد الذي جعل العلماء يشككون في بادئ الأمر بمدى صحتها. يقول تاتشيهارا:
"عندما رأينا البيانات لأول مرة تساءلنا فيما إذا وقع خطأ ما في الحسابات. لكن بعد مراجعة دقيقة تأكدنا من صحة الاكتشاف".
ما يزيد الأمر إثارة وغموضًا هو أن الباحثين وجدوا أيضًا أن نجوم سحابة ماجلان الصغيرة لا تدور حول مركز المجرة بالطريقة التي نراها عادةً في المجرات الأخرى بما فيها مجرتنا. هذه الملاحظة الغريبة تشير إلى وجود خلل ما في الفهم الحالي لدى العلماء حول هيكل المجرة وطريقة تشكلها وتفاعلها التاريخي مع جيرانها الكونيين.
نافذة على بدايات تشكُّل المجرات
ويؤكد باحثو الدراسة أن هذه المجرة القزمة، رغم صغر حجمها النسبي (7 آلاف سنة ضوئية فقط)، تُعد مهمة للغاية من الناحية العلمية؛ لأنها توفر لنا فرصة نادرة لدراسة المجرات البدائية، أي تلك التي نشأت في المراحل الأولى من عمر الكون. وتعكس هذه المجرة الصغيرة إلى حد كبير ظروفا شبيهة لما كانت عليه المجرات عندما بدأ الكون في تشكيل أولى المجموعات النجمية.
ويوضح تاتشيهارا أهمية هذه المجمة قائلًا:
"لا يمكننا أن نُطل برؤية واضحة وشاملة على مجرتنا، لذلك فوجود سحابتي ماجلان بجوارنا يسمح لنا برؤية تفاصيل وتفاعلات قد تكون مشابهة لما مرت به المجرات حين كانت ما تزال في طور التكوين في الماضي البعيد".
آفاق البحث المستقبلي: كيف نفهم تكون النجوم بشكل أفضل؟
يأمل الباحثون أن تفتح دراساتهم الباب لفهم أفضل لنشوء النجوم والحركات الكونية التي تؤثر في تشكل المجرات وتطوّرها. وكلما واصل علماء الفلك دراسة المُركبات الصغيرة، مثل سحابة ماجلان الصغيرة، ستزداد معرفتهم حول هذه العمليات المعقدة، مما يساعدهم في الكشف عن أسرار الكون.
لا شك أن التعرف على التاريخ العنيف لمثل هذه المجرات، واحتمالية تفككها وانهيارها بصورة مبكرة عما توقعناه، يمثل خطوة مهمة على طريق شرح كيفية تكوين المجرات في بدايات الكون، وكيف ستكون مصائرها في ملايين السنوات القادمة.