جرعة منخفضة من الليثيوم تعيد الأمل في علاج أعراض ألزهايمر لدى الفئران… فهل يتكرر الأمر مع البشر؟

4 د
وجد العلماء أن نقص الليثيوم قد يساهم في تسارع الزهايمر.
تجارب جديدة تشير إلى أن جرعة منخفضة من الليثيوم تحسن الذاكرة.
الأبحاث تُظهر أن الليثيوم يرتبط بصفائح الأميلويد في أدمغة الزهايمر.
نتائج إيجابية من اختبارات على فئران قد توفر آمالًا لعلاجات مستقبلية.
تتطلب الدراسات توخي الحذر بسبب الآثار الجانبية لليثيوم بجرعات عالية.
هل تخيلت يوماً أن معدن الليثيوم، الشهير بدوره في معالجة الاضطرابات النفسية، يمكن أن يحمل مفتاحاً جديداً لمكافحة الزهايمر؟ في دراسة حديثة ومثيرة للجدل، وجد العلماء أن نقص الليثيوم في الدماغ قد يلعب دوراً خفياً في تسريع تدهور الذاكرة وظهور ترسبات الأميلويد السامة، لكن المفاجأة الأكبر تمثلت في أن تعويضه بجرعة ضئيلة نجح في قلب المعادلة وتحسين وظائف الدماغ في فئران أُصيبت بأعراض مشابهة للزهايمر.
لطالما حيّر داء الزهايمر الأطباء والباحثين، إذ يشكل أحد أبرز أسباب الخرف والتدهور المعرفي حول العالم، ويزيد انتشاره مع تقدم العمر. يتسم المرض بتجمّع صفائح بروتينية تُعرف بالأميلويد في أعماق الدماغ، مما يؤدي إلى تعطيل التواصل العصبي وفقدان القدرات الذهنية شيئاً فشيئاً. من هنا تأتي أي اكتشافات جديدة حول جذور الزهايمر أو عوامل الوقاية منه، كوميض أمل للكثير من الأسر التي تصارع هذه الحالة القاسية.
كيف ظهر ارتباط الليثيوم بمرض الزهايمر؟
وجد فريق بحث من جامعة هارفارد أن أدمغة مرضى الزهايمر تحتوي على مستويات أقل بكثير من الليثيوم مقارنة بغيرهم من الأصحاء أو أولئك الذين يعانون من ضعف إدراكي خفيف فقط. فحص العلماء مستويات نحو 27 معدناً لدى مئات الأشخاص بعد وفاتهم، ولاحظوا أن انخفاض تركيز الليثيوم كان واضحاً خصوصاً في قشرة الفص الجبهي – وهي المنطقة المسؤولة عن الذكريات واتخاذ القرار. ويُعتقد أن ذلك يعود لعوامل بيئية وغذائية وربما جينية تؤثر على امتصاص هذا المعدن الدقيق والأساسي.
وما يثير الفضول أكثر، أن صفائح الأميلويد نفسها كانت تخزّن كميات مضاعفة من الليثيوم داخلها مقارنة بمناطق الدماغ الأخرى. بمعنى آخر، حين يبدأ الزهايمر، يُحتجَز الليثيوم في تجمعات البروتين الضارة، فيتقلص وجوده في باقي أنسجة المخ. وهذا يربط بين التغيرات الكيميائية وحاجة الدماغ الماسة لهذا المعدن للبقاء نشطاً ومحميّاً.
انتقالاً من العينات البشرية إلى التجارب الحيوانية، قام الباحثون بتقليص كمية الليثيوم في غذاء فئران معدلة وراثياً لتكُون عرضة للزهايمر، ولاحظوا خلال أشهر قليلة زيادة مذهلة في سرعة تكوّن الصفائح البروتينية وتراجع الأداء في اختبارات الذاكرة. وطوال فترة المتابعة، عانت الفئران من التهابات دماغية وضعف في خلايا المناعة العصبية المسؤولة عن تنظيف الدماغ من المخلفات والأجسام الغريبة، وهي آليات مشابهة لما يُشاهد في مرضى الزهايمر من البشر.
تجربة جديدة: علاج الفئران بجرعة منخفضة من الليثيوم
استكمالاً للخيط، اختبر الفريق نوعاً معيناً من الليثيوم يُعرف بـ"ليثيوم أوروتات" – مركب يتكوّن بشكل طبيعي في الجسم – ولاحظوا أنه أقل عرضة للوقوع في شرك صفائح الأميلويد. عند حقن الفئران المصابة بهذا المركب لمدة تسعة أشهر بجرعات هي أقل بألف مرة من الجرعات المستخدمة في علاج اضطراب ثنائي القطب، تراجعت كمية الصفائح البروتينية بشكل لافت، وعادت الحيوانات تحقق أداءً عادياً تقريباً في اختبارات الذاكرة.
وهنا تتكامل الصورة بين الفرضية العلمية والنتائج الملموسة، إذ تؤكد التجربة أن إعادة تزويد الدماغ بجزء يسير من الليثيوم يمكنه أن يبطئ أو حتى يعكس مظاهر الزهايمر على الأقل على مستوى الحيوانات المخبرية، وهذه خطوة تنعش الآمال نحو علاج وقائي أو محسِّن لحياة مرضى هذا الاضطراب الحاد.
جدير بالذكر أن عدة دراسات وبائية سابقة رصدت أن الأشخاص الذين يحصلون على الليثيوم من أدوية نفسية أو عبر مياه الشرب – حتى بكميات ضئيلة – تنخفض لديهم معدلات الإصابة بالخرف مقارنة بمن لا يتعرضون له. بالطبع، يستدعي ذلك حذراً طبياً، فمن المعروف أن العلاج بجرعات عالية من الليثيوم قد تنتج عنه مضاعفات مؤذية في الكلى والغدة الدرقية.
وحتى مع هذا التفاؤل الحذر، يسلط البحث الضوء على أهمية تطوير اختبارات دقيقة لقياس مستويات المعادن النادرة في الدماغ، بدل الاعتماد على تقديرات عامة أو المعدل في النظام الغذائي. فربما فتحت هذه النتائج الباب أمام إضافة كلمة مثل "جرعة دقيقة" إلى قاموس علاجات الزهايمر مستقبلاً، أو تبديل تعبير "علاج تجريبي" بـ"تدخل وقائي معتمد" عند ثبوت الفعالية والأمان في تجارب الإنسان.
في الختام، بالرغم من أن العالم لا يزال في بداية الطريق لفهم الآليات الدقيقة التي تربط بين الليثيوم ومرض الزهايمر، إلا أن الاكتشافات الجديدة توحي بأن التركيز على المعادن النادرة قد يحمل حلولاً ذكية تسمح لنا بإبطاء عجلة الخرف واستعادة لمحات من الذكريات المفقودة. ولعلّ إضافة مزيد من التوضيح حول الاختلاف بين أنواع الليثيوم أو التركيز على توضيح آلية نقل المعدن في الدماغ سيعزز من فائدة هذه المقالات في المستقبل، فكل كلمة توضع في موضعها الصحيح تقرّبنا أكثر من التصدي لهذا العدو الصامت.









