ذكاء اصطناعي

جهاز جديد يحول تراب القمر إلى ماء وأكسجين لدعم القواعد القمرية

محمد كمال
محمد كمال

4 د

ابتكر العلماء جهازًا لاستخلاص الماء والأكسجين من تربة القمر لدعم القواعد القمرية.

الجهاز يسخّن الريغوليث لتحرير جزيئات الماء ويحول CO2 إلى أكسجين ووقود.

يعتمد الابتكار على معدن الإلمينيت، مما يقلل الحاجة للنقل من الأرض.

يمكن لكل طن من التربة توفير ما يصل إلى 76 كيلوغراما من الماء.

تقنيات "استغلال الموارد المحلية" تجعل استيطان القمر أكثر واقعية.

بينما يشغل حلم بناء قاعدة دائمة على سطح القمر خيال العلماء منذ عقود، تظل الحاجة للماء العقبة الأكثر عناداً أمام مهمات الاستيطان طويلة الأمد. في دراسة علمية منشورة حديثاً، كشف باحثون عن ابتكار جهاز جديد يُسخّن تربة القمر "الريغوليث" ليستخرج منها الماء، ثم يستخدم هذا الماء في غرفة واحدة لتحويل ثاني أكسيد الكربون الناتج عن تنفس الرواد إلى أكسجين ومواد وقود محتملة، ما يمثل نقلة نوعية في تقنية الاعتماد على الموارد المحلية خارج الأرض.

تبدأ القصة من نقطة أن إرسال المياه من الأرض إلى القمر مهمة بالغة التكلفة؛ ففي بعض تقديرات ناسا، يبلغ سعر نقل غالون واحد إلى المدار القمري قرابة 83 ألف دولار، الأمر الذي يجعل نقل المياه للاستهلاك البشري أو حتى الزراعة والنظافة أمراً شبه مستحيل على المدى الطويل. وهذا ما يدفع وكالات الفضاء إلى الاهتمام بما يعرف بـ"استغلال الموارد في الموقع" أو "ISRU"، أي توليد الضروريات من المواد المتوفرة محلياً بدلاً من شحنها عبر الفضاء.

في هذا السياق، أجرى العلماء الصينيون تجارب رائدة على عينات التراب القمري الرمادي، التي أعادتها مهمة "تشانغ إي 5" من منطقة "أوشيانوس بروسيلاروم" في 2020. تحليل هذه العينات كشف وجود ماء بتركيزات تصل إلى 170 جزءاً في المليون في بعض المعادن الشائعة، وتبيّن أن هذا الماء يتكون عندما تصطدم بروتونات الرياح الشمسية بذرات الأكسجين، فتخلق جزيئات ماء وهيدروكسيل تلتصق بحبيبات الزجاج والسيليكات المنتشرة على سطح القمر.

وينقلنا هذا الاستكشاف إلى سؤال حاسم: هل يمكن استخلاص كميات عملية من الماء من هذه التربة فعلاً؟ كشفت الدراسة الجديدة أن الجهاز المبتكر يعتمد على تركيز ضوء الشمس ليسخّن مفاعل سيراميكي أسود حتى توهج الجدران الداخلية، لتصل الحرارة إلى أكثر من 980 درجة مئوية - وهي حرارة كافية لتبخير جزيئات الماء الملتصقة في الحبيبات المعدنية.


كيف يحوّل الجهاز التراب إلى ماء وهواء؟

تتجلى عبقرية الجهاز في كونه يوظّف هذه الحرارة نفسها ليساهم في عملية تخفيض ثاني أكسيد الكربون؛ إذ تتحد ذرات الهيدروجين الناتجة مع CO2 لتكوين أول أكسيد الكربون، وينطلق الأكسجين الحر القابل للتنفس أو للاستخدام كوقود. وتعتمد العملية بشكل أساسي على معدن "الإلمينيت" الغني بالحديد والتيتانيوم، الذي يشكل جزءاً أساسياً من صخور المرايا القمرية السوداء. الإلمينيت يخزن الهيدروجين، كما تدعم ذرات الحديد فيه التفاعلات الكهروكيميائية الضرورية لتحويل الغازات.

وهنا يتضح الربط بين اكتشاف الماء في الريغوليث القمري وإمكانات تقنية جديدة بالغة الأهمية، تجعل من القمر بيئة أقل اعتماداً على الإمدادات الأرضية.

يمُكن لهذا الابتكار أن يغير قواعد اللعبة بمعناه الحرفي، فحسب تجارب العلماء، كل طن واحد من التربة الغنية بالإلمينيت يمكن أن يوفر ما بين 50 إلى 76 كيلوغراما من الماء، وهي كمية تغطي الاستهلاك اليومي لنحو خمسين شخصاً. والأهم أن ما يتبقى من التربة بعد المعالجة هو الحديد المعدني النقي، الذي يمكن أن يستعمل لاحقاً في البناء أو دروع الحماية من الإشعاع.

استكمالاً لهذا التصور، نجد أن تركيبة التربة وتوزيع المعادن مثل الإلمينيت يتفاوتان من منطقة إلى أخرى على سطح القمر، ما يعني أن هناك حاجة لخرائط جيولوجية دقيقة وربما معدات حفر ثقيلة قبل تحديد أماكن إقامة المفاعلات الإنتاجية.

هذا بدوره يرتبط بالصعوبات التقنية الكثيرة، إذ أن التباين الحراري الشديد بين النهار والليل القمري يضع ضغطاً هائلاً على الأجهزة، أضف إلى ذلك خطر الإشعاع الفضائي الذي يضعف الإلكترونيات، فضلًا عن التصاق الغبار المعدني بكل المعدات، ما يسبب تآكل الوصلات وتعطل الفلاتر وتغيرات مفاجئة في أداء الأنظمة.

ذو صلة

ومع ذلك، فإن تسارع وتيرة الطموحات الفضائية يدفع نحو البحث عن حلول لهذه التحديات. فالصين تخطط لإطلاق قاعدة روبوتية بالقرب من القطب الجنوبي للقمر بحلول 2035، في حين تضع وكالة ناسا ضمن برنامج "أرتميس" الرهان على إقامة محطة مدارية وقواعد مأهولة بإمدادات ذاتية. مثل هذه الأجهزة المدمجة التي تحول الغبار إلى ماء وهواء ووقود قد تكون العنصر الناقص الذي يسمح بتحقيق البقاء البشري على سطح القمر لأول مرة في التاريخ.

في نهاية هذا الاستعراض نجد أن الرؤية المستقبلية لاستيطان القمر تصبح أكثر واقعية كلما تطورت تقنيات "استغلال الموارد المحلية". ربما لو صيغت بعض التفاصيل التقنية بمصطلحات أبسط، أو أضيفت جملة تربط ما بين نجاح هذه التجربة وإمكانية تطبيقها مستقبلاً على كواكب أخرى مثل المريخ، لزاد المقال وضوحاً وتماسكاً. هكذا تفتح هذه القصة العلمية نافذة أمل جديدة نحو عالم غير متخيل حتى وقت قريب، حيث يصبح بناء حياة مستدامة خارج كوكب الأرض حلماً قابلاً للتحقيق.

ذو صلة