حين تتنفس البكتيريا طاقة كهربائية بدلاً من الأوكسجين: هل تكون الحل لمواجهة تغير المناخ؟

3 د
كشفت دراسة جديدة أن بكتيريا الإشريكية القولونية يمكنها توليد الكهرباء أثناء التنفس.
تنقل هذه البكتيريا الإلكترونات لخارج الخلية، ما يسمح لها بالبقاء دون أوكسجين.
يمكن لهذه البكتيريا أن تسهم في ابتكارات مثل معالجة مياه الصرف الصحي.
البحث يتيح فرصًا مستقبلية لاستخدام البكتيريا في مجالات الطاقة والتكنولوجيا البيئية.
تخيل عالماً تعيش فيه كائنات دقيقة لا تحتاج لبساطة الأكسجين كي تظل حية، بل تدفع بالكهرباء خارج أجسادها حرفياً! هذا ليس سيناريو خيال علمي، بل هو استكشاف حديث يكشف عن قدرة بعض أنواع البكتيريا—وبالأخص الإشريكية القولونية (E. coli)—على إنتاج الكهرباء أثناء تنفسها، في أماكن لا يعرف الأوكسجين طريقاً إليها، مثل أعماق البحار أو أنابيب المياه العادمة أو حتى بطون الكائنات الحية.
في السنوات الأخيرة، جذب العلماء في جامعتي رايس وجامعة كاليفورنيا سان دييغو الأنظار نحو ظاهرة التنفس الخارجي للبكتيريا، وهو ما يعرف علمياً باسم "التنفس خارج الخلية". هذا المفهوم ظل غامضاً لفترة طويلة؛ كيف تقوم البكتيريا بنقل الإلكترونات خارج أجسامها لتستخدمها كمصدر للطاقة، فيما يشبه شحن بطارية صغيرة في جسدها؟ حديثاً، نشر الباحثون دراسة في مجلة Cell سلّطت الضوء على تلك الآلية الدقيقة، وكشفت الكثير من أسرار "التنفس الكهربائي" لهذه الكائنات الدقيقة.
آلية إنتاج الكهرباء: كيف تتنفس البكتيريا من دون أوكسجين؟
عادةً، معظم الكائنات الحية تعتمد على الأوكسجين كمستقبل أخير للإلكترونات، ما يطلق الطاقة المخزنة في الغذاء ويتيح عملية التنفس الحيوي. إلا أن بعض البكتيريا طورت أسلوباً مدهشاً للبقاء في بيئات فقيرة الأوكسجين عبر مركبات بسيطة مثل "هيدروكسي نافثوكينون" لنقل الإلكترونات إلى خارج الخلية. يقوم إنزيمان يُعرفان باسم NfsB و NfsA بإتمام هذه المهمة الدقيقة، مما يسمح للبكتيريا بأن تعيش وتزدهر حتى في العتمة العميقة، من خلال ما يطلق عليه "نقل الإلكترونات الوسيط الخارجي" أو EET.
هذا الاكتشاف يربط بين الفهم الأساسي للعمليات الحيوية وابتكارات تكنولوجية مستقبلية محتملة. إذ أن هذه البكتيريا ترى في الأسطح الموصلة للكهرباء فرصاً جديدة، فتتحول فعلاً إلى بطاريات بيولوجية صغيرة، قادرة على شحن نفسها بإخراج الشحنات الكهربائية.
ولعل اللافت أن هذه القدرة لا تقتصر على مجرد البقاء، فقد لاحظ الباحثون أيضاً أنه عند تعريض بكتيريا E. coli لمدة قصيرة لسطح موصل، تحورت جينات معينة أسهمت في تعزيز كفاءتها في توليد الكهرباء وتكاثرها على هذا السطح الكهربائي، أي أنها تتكيف وتتطور لتصبح أفضل "مولّدة كهرَوية" مع مرور الوقت.
آفاق جديدة في الطاقة ومواجهة تغيّر المناخ
مع اكتشاف هذه الآلية، يبرز سؤال مهم: كيف يمكن توظيف هذا الابتكار الطبيعي في خدمة البشر والبيئة؟ يأخذنا هذا الطموح إلى تقنيات واعدة مثل التقاط الكربون عبر البكتيريا أو معالجة مياه الصرف الصحي بطريقة أكثر فعالية. حيث يمكن للبكتيريا التي تتنفس الكهرباء أن تؤدي دوراً حيوياً في تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى مركبات نافعة تعتمد على الطاقة المتجددة كمصدر؛ تماماً كما تقوم النباتات بعملية التركيب الضوئي.
ليس هذا فقط، بل يتخيل العلماء إمكانيات استخدام هذه البكتيريا كمجسّات ذكية في أعماق المناجم أو حتى في الفضاء، إذ تتيح القدرة على رصد وتحويل التغيرات الكيميائية بمؤشرات كهربائية واضحة في مناطق لا تصل إليها الأجهزة التقليدية.
وهذه الاحتمالات تظل مرتبطة بالاكتشاف الأولي المحوري للباحثين: أن سر التنفس الخارجي للبكتيريا يكمن في آلية بسيطة بخلاف التعقيد المعروف في سلاسل التنفس الميتوكوندرية.
من هنا، يظهر جانب آخر من قوة البحث العلمي حين يُعيد تجميع ما اعتبرناه بديهيات (مثل تعريف التنفس أو دورة الطاقة) ويحوّله إلى باب جديد لفهم الحياة وتطوير حلول متجددة لمشاكل العصر كازدياد انبعاثات الكربون واحتياج الطاقة.
في ختام هذا التطور الرائد، يصبح بوسعنا النظر إلى البكتيريا من منظور جديد تماماً—not فقط ككائنات دقيقة تعيش في الظلام، بل كمستودعات للطاقة وتجديد بيئي كامنة في انتظار من يكتشفها ويستثمرها. ربما لو استبدلنا مصطلح "بطاريات حيوية" بـ"مفاعلات بيولوجية كهربائية"، لأضفنا قوة دلالية للنص، كما أن إضافة جمل قصيرة توضح الروابط بين عمل البكتيريا وابتكارات الطاقة يمكن أن تعمق فهم القارئ وتجعله يراقب المستقبل من نافذة البحث العلمي بثقة وأمل.