ذكاء اصطناعي

خيال علمي جديد يصبح واقع: اكتشاف قدرات خارقة للدماغ البشري قادرة على تعافي الجسم ذاتياً!

محمد كمال
محمد كمال

4 د

اكتشف علماء معهد كارولينسكا أن الدماغ البالغ ينتج خلايا عصبية جديدة باستمرار.

توصلت الدراسة لدليل قاطع على وجود خلايا جذعية عصبية في منطقة الهيبوكامبوس.

تم استخدام تقنيات حديثة كالذكاء الاصطناعي لتحليل أنسجة دماغية لأشخاص حتى 78 عامًا.

يفتح الاكتشاف آفاقًا جديدة في الطب التجديدي لعلاج التلف العصبي وأمراض مثل ألزهايمر.

تساعد العصبونات الجديدة على تعزيز عملية التعلم والذاكرة، ومرونة الدماغ في التكيف.

كثيرًا ما سمعنا أن الدماغ البشري يتوقف عن إنتاج خلايا عصبية جديدة بعد مرحلة الطفولة، ولكن هل هذه الفكرة صحيحة بالفعل؟ مؤخرًا نجح علماء من معهد كارولينسكا في ستوكهولم بالسويد في تقديم دليل قاطع على أن الدماغ البشري البالغ قادر على إنتاج خلايا عصبية جديدة حتى مراحل متأخرة من العمر.

الدراسة الحديثة، التي نشرت الخميس في مجلة "ساينس"، أثارت اهتمامًا واسعًا، إذ أشارت بوضوح إلى وجود "خلايا جذعية عصبية" تواصل الانقسام وتوليد خلايا عصبية جديدة داخل منطقة الهيبوكامبوس؛ تلك المنطقة الحيوية في الدماغ والمسؤولة بشكل أساسي عن عمليات التعلم والذاكرة. وأكدت الدكتورة مارتا باترليني، المشاركة في قيادة الدراسة، أن هذا الاكتشاف يُنهي جدلًا طويلًا دار في الأوساط العلمية حول إمكانية الدماغ البالغ إنتاج خلايا جديدة من عدمه.

وقد اعتمد العلماء على تقنيات حديثة متقدمة لتحليل أنسجة الدماغ لأشخاص بلغوا من العمر 78 عامًا، مستخدمين تقنية متطورة تُعرف بـ "تسلسل الحمض النووي الريبوزي للنواة الواحدة"، والتي سمحت لهم بفحص ما يزيد عن 400 ألف خلية بشكل دقيق. تضافرت هذه التقنيات مع استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتتبع مراحل نمو وتطور مختلف أنواع الخلايا، واكتشف العلماء وجود الخلايا الجذعية المولدة للخلايا العصبية الجديدة إلى جانب العصبونات المكتملة النمو.


كيف بدأ الخلاف ولماذا استمر؟

هذا الاكتشاف لم يأتِ من فراغ، بل هو جزء من جدل استمر منذ أول ظهور أدلة في التسعينيات من القرن الماضي. في عام 1998، ظهرت أول الدراسات التي أشارت لإنتاج خلايا عصبية جديدة في الدماغ البالغ، ولكن تلك النتائج اتسمت بالغموض وعدم الاتساق، ما تسبب في استمرار الخلاف بين الباحثين على مدار عقود تالية. اليوم تأتي هذه الدراسة الحديثة لتضع نقطة النهاية لهذا الجدال، مقدمة ما وصفه العلماء بأنه "أوضح وأدق دليل تم التوصل إليه حتى الآن".


الآفاق الجديدة أمام تطبيقات الطب التجديدي

ما يجعل هذا الاكتشاف مثيرًا للاهتمام، ويزرع بذورًا من الأمل، هو إمكانياته العلاجية المستقبلية. فقد بدأ العلماء بالفعل في النظر إلى طرق استغلال قدرة الدماغ الفطرية على إنتاج خلايا عصبية جديدة لإصلاح التلف الناجم عن الإصابات أو السكتات الدماغية، وحتى في علاج الأمراض التنكسية العصبية كألزهايمر وباركنسون. ومع إظهار الدراسات على الحيوانات نتائج مبشرة وواعدة، فإن الباب مفتوح على مصراعيه أمام البحث والتجارب البشرية في المستقبل المنظور.

ومن المتوقع أن تتنوع خطوط البحث المستقبلية، من دراسة الآليات الخلوية والجزيئية المسؤولة عن هذه العملية، إلى تطوير علاجات وأدوية محفزة لنمو الخلايا الجديدة، مرورًا بفهم أفضل لكيفية اندماج هذه الخلايا المولودة حديثًا مع الدارات العصبية القائمة في الدماغ. كما أن هناك اهتمامًا خاصًا بممارسة التمارين الرياضية وتحسين نمط الحياة، باعتبارهما من العوامل المشجعة على نمو خلايا عصبية جديدة والمحافظة على القدرات الإدراكية.


كيف تؤثر هذه الخلايا على ذاكرتنا؟

ليس مجرد تجديد لخلايا الدماغ، بل يرتبط إنتاج هذه العصبونات ارتباطًا مباشرًا بوظائف التعلم والذاكرة. تعمل الخلايا العصبية الجديدة على تعزيز عملية تُعرف باسم "فصل الأنماط"، ومهمتها التمييز بين التجارب المتشابهة لخلق ذكريات واضحة ومتباينة. ومن اللافت أيضًا أن عملية تكوين الخلايا الجديدة لا تساعد فقط في التعلم، وإنما قد تلعب دورًا في عملية النسيان؛ إذ تسهم بفعالية في التخلص من الذكريات القديمة أو قليلة الأهمية؛ مما يتيح مساحة كافية لاستيعاب ذكريات جديدة ضرورية وتمنح المرونة الإدراكية من خلال التخلي عن المعلومات القديمة غير الحاسمة.

ذو صلة

ومع التقدم في العمر وانخفاض معدلات تكوين هذه الخلايا، تتراجع القدرات الذهنية لدى بعض الناس؛ مما يبرز أهمية الحفاظ على نمط حياة صحي، وغني بالنشاط البدني والذهني المحفز لذلك النمو.

ومع نهاية هذه الدراسة الواعدة، لا شك أن هذه النتائج الجديدة من شأنها أن تفتح آفاقًا غير مسبوقة للعلوم العصبية والطبية على حد سواء. قد يكون من الملائم في الدراسات المقبلة التركيز أكثر على مقارنة قدرات الدماغ بين مختلف المراحل العمرية لتعزيز فهمنا حول التغيرات التي تطرأ خلال رحلة حياتنا. كما قد يفيد استخدام مصطلحات أكثر دقة لتوضيح المفاهيم للقارئ العربي، بالإضافة إلى إضافة المزيد من الأمثلة العملية التي تبرز أهمية هذه الاكتشافات وتأثيرها المباشر على حياتنا اليومية. ففي الواقع، لا يزال أمام العلماء طريق طويل قبل أن تصبح هذه المعرفة جاهزة للاستخدام في المستشفيات والمراكز الطبية، لكن الخطوة الأولى بالفعل قد بدأت، وهي بلا شك خطوة كبرى ومبشرة.

ذو صلة