ديدان الأرض تتحدى نظرية داروين: تطور سريع ومذهل يعيد ترتيب جيناتها بالكامل

3 د
الدراسة تكشف عن تطور جيني سريع لديدان الأرض عند انتقالها للعيش على اليابسة.
تغيرت جينوماتها جذريًا، مما جعلها أكثر مرونة في التكيف مع البيئات الجديدة.
تدعم النتائج نظرية التوازن النقطي، التي تشير للتحولات الجينية السريعة.
التحليل الجديد يغير فهمنا لآليات التطور التقليدية وللدور الذي تلعبه الجينومات المرنة.
لطالما كانت نظرية داروين حول التطور التدريجي البطيء واحدة من الثوابت التي يقوم عليها علم الأحياء، إلا أن دراسة حديثة من المجلس القومي الإسباني للبحوث حدثت مفاجأة كبيرة حين كشفت نتائج غير متوقعة تثبت أن بعض الأنواع قد تتطور سريعاً وفي طفرات جينية هائلة وليست تدريجية، وهو ما جرى مع ديدان الأرض عندما انتقلت من موائلها البحرية إلى البيئة البرية قبل حوالي 200 مليون سنة.
بقيادة الباحثة روزا فيرنانديز من معهد الأحياء التطوري بإسبانيا، كشفت الدراسة أن ديدان الأرض، التي كانت قديماً مخلوقات بحرية، مرت بتحول جيني جذري تماماً. لقد حطمت هذه الديدان جينومها — مادتها الوراثية — إلى آلاف الأجزاء قبل إعادة ترتيبها من جديد بشكل كامل، وهو تغيّر جيني كان مذهلاً لدرجة أن الفريق العلمي أعاد التحليلات مراراً لعدم تصديقهم مدى دراماتيكية هذه النتائج. وبعد هذا التحول، أصبحت ديدان الأرض اليوم وراثياً أقرب إلى المحار منها إلى أقاربها البحريين التقليديين كالديدان البحرية.
ماذا وراء هذه الثورة الجينية المفاجئة؟
هذه التغيرات الوراثية الغريبة، التي تبدو للوهلة الأولى مدمرة للكائن، كانت في الواقع السر وراء نجاح تكيف ديدان الأرض مع التحديات الصعبة في الحياة على اليابسة؛ كالتأقلم مع التنفس في الهواء والتعامل مع حرارة الشمس المباشرة. في الحقيقة، هذه "الفوضى الجينية" التي حدثت، نتج عنها ما يطلق عليه العلماء "الخيميرات الجينية"، أي جينات مركبة من أجزاء مختلفة، مما أتاح للديدان اكتساب قدرات وخصائص جديدة هامة للبقاء والحياة على الأرض.
المثير أن هذه النتائج تدعم بقوة فكرة "التوازن النقطي" التي اقترحها ستيفن جاي غولد ونيلز إلدريدج عام 1972. هذه النظرية تخالف رأي داروين، وترى بأن الكائنات الحية قد تمر بفترات مستقرة طويلة جداً، ثم تحدث تغيرات سريعة وحادة تؤدي لظهور أنواع جديدة تماماً دون وجود مراحل وسيطة تترك آثارها في الحفريات.
آلية غير متوقعة ساهمت في الانتقال من الماء إلى اليابسة
من أجل فهم كيف نجحت ديدان الأرض خلال مرحلة التغيير الجيني العنيف هذا من البقاء وتجنب خطر الانقراض، اكتشف الفريق آلية مدهشة ممكنة تمثلت في البنية ثلاثية الأبعاد الفريدة لجينومات هذه الديدان. توضح الباحثة أورورا رويز-هيريرا من جامعة برشلونة المستقلة، أن كروموسومات ديدان الأرض تمتاز بمرونة عالية فاقت أغلب الكائنات الأخرى، مما ساعدها على الاحتفاظ بوظائف جينية حيوية حتى مع تغيير الترتيب الخطي للجينات بشكل جذري على نطاق واسع.
هذا الابتكار التطوري الفريد خلق ما يمكن وصفه بـ "قوة خارقة بيولوجية" مكنت هذه الكائنات البسيطة من الاحتفاظ بقدرتها على التكيف والتطور رغم التغيرات الجذرية المفاجئة في جيناتها وبيئتها، ليكون هذا مثالاً للجينات التي تقوم بأدوارها بشكل طبيعي حتى وهي موزعة في مواقع متباعدة تماماً داخل الكروموسوم.
تأثير الدراسة على مستقبل علوم التطور
في الحقيقة، النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة تقدم فهماً أعمق للتغيرات الكبيرة في التاريخ التطوري، وقد يكون لها أثر كبير في تغيير كثير من المفاهيم السائدة حول آلية التغير الجيني. فلأكثر من قرن ونصف، بقيت نظرية داروين حول التطور التدريجي البطيء بمثابة حجر أساس لعلم الأحياء. أما الآن، فقد تكون هذه الدراسة مفتاحاً لإعادة النظر في تفسيرنا لوجود فجوات في السجل الأحفوري، لأن تلك الطفرات السريعة جداً تنتشر وتثبت قبل أن تترك آثاراً وسيطة واضحة وكافية كحفريات.
هذه الاكتشافات الجديدة لا تلغي نظرية داروين بالكامل، إنما تفتح أفقاً لفهم أكثر دقة وتنوعاً حول آليات التطور؛ وتؤكد أن الحياة قادرة على القفز سريعاً لتحقيق تغيرات كبيرة عندما يتطلب الأمر. ولعل في مستقبل البحوث حول هذه الظواهر، إضافة لاهتمام أكبر بالمرونة الجينية، طريقاً أوضح لفهم تطور الحياة على كوكبنا وإيجاد مرادفات أكثر وضوحاً تصف هذه التحولات العميقة بدقة أفضل.