ذكاء اصطناعي

رحيل القمر يعني نهاية المد والجزر… وبداية فوضى الأرض!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

القمر يبتعد عن الأرض بمعدل 3.

8 سم سنويًا بسبب تأثيرات المد والجزر.

قياس هذه الظاهرة يتم باستخدام أشعة الليزر المرتدة من المرايا على سطح القمر.

المد يحدث بسبب جاذبية القمر التي تشكل بروزات في المياه وتؤدي إلى ابتعاد القمر.

تيارات المد تدفع القمر بعيدًا، في حين تبطئ دوران الأرض مما يزيد طول اليوم.

رغم ذلك، تأثير هذه الظاهرة على الحياة اليومية ضعيف ولا يشكل تهديدًا حقيقيًا.

قد يبدو القمر ساكناً في السماء، لكنه في الحقيقة يتحرك بعيداً عنا ببطء شديد. تشير أحدث الدراسات إلى أن القمر يبتعد عن الأرض بمعدل يقارب 3.8 سنتيمترات، أي نحو بوصة ونصف، كل عام. هذا الرقم الصغير يخفي وراءه قصة طويلة ومعقدة عن التفاعل بين الأرض وقمرها الوحيد.

في البداية، اعتمد العلماء على تقنيات دقيقة مثل أشعة الليزر التي عكستها المرايا المثبتة على سطح القمر خلال رحلات أبولو، لقياس هذه التغيرات. ومن خلال هذه القياسات المتكررة، تبيّن أن المسافة بين الأرض والقمر ليست ثابتة، بل تتأرجح ضمن مدار بيضاوي يجعل القمر أحياناً أقرب بمقدار آلاف الكيلومترات وأحياناً أبعد. وهكذا، نفهم سر اختلاف أحجام الأقمار الكاملة التي نراها أحياناً أكبر وتعرف باسم “السوبر قمر”. وهذا يقودنا إلى جوهر الظاهرة: ما الذي يجعل القمر يبتعد خطوة بخطوة عن كوكبنا؟


قوة المد والجزر... المحرّك الخفي

التفسير يكمن في ظاهرة المد والجزر. فجاذبية القمر تسحب مياه المحيطات فتتشكل بروزات مائية على جانبي الأرض. لكن بسبب دوران الأرض السريع، لا تكون هذه البروزات في خط مستقيم مع القمر بل تتقدمه قليلاً. هذا الانحراف الصغير يؤدي إلى قوة شد إضافية تدفع القمر إلى الأمام في مداره وتزيد من سرعته، فيبتعد تدريجياً عن الأرض. وفي الوقت نفسه تدفع هذه العملية الأرض إلى فقدان جزء من طاقتها الدورانية، مما يجعل يومنا يزداد طولاً لكن بمقدار طفيف للغاية لا نشعر به في حياتنا اليومية. وهذا يوضح كيف أن التبادل الطاقي بين الأرض والقمر ليس مجرد نظرية فيزيائية، بل عملية حيوية تسير منذ بلايين السنين.

أما على المدى البعيد، فإن استمرار هذه الآلية يعني أن الأرض والقمر يتجهان إلى حالة "الارتباط المدّي"، أي أن سرعة دوران الأرض قد تتباطأ إلى حد أن يصبح طول يومها مساوياً لمدة دوران القمر حولها. وعندها يتوقف القمر عن الابتعاد. لكن المدهش أن هذه المرحلة قد لا تتحقق أبداً، لأن الشمس ستدخل دورتها العمرية الأخيرة بعد نحو مليار سنة، فترتفع حرارتها وتغمر الأرض بتغيرات كارثية قبل اكتمال هذا السيناريو. وهذا يربط مصير الأرض والقمر بمصير أكبر بكثير: تطور الشمس نفسها.


ماذا يعني ذلك لنا اليوم؟

ذو صلة

رغم أن هذه التغيرات حقيقية ويمكن قياسها بأدق الأجهزة، فإنها لا تثير أي تهديد مباشر لحياتنا. فابتعاد القمر بهذا المعدل يحتاج إلى عشرات الملايين من السنين ليترك أثراً ملموساً على طول اليوم أو على حركة المد والجزر. علمياً، هذه الظاهرة تعكس طبيعة العلاقة الديناميكية بين جاذبية الأرض والقمر، وتمنحنا نافذة لفهم كيفية تشكل النظام الشمسي وتفاعله المستمر. وهذا يعيدنا إلى سؤال جوهري: كيف تتغير علاقتنا بالكون من حولنا مع مرور الزمن الكوني؟

في النهاية، يمكن القول إن القمر ما زال جارنا القريب، لكن رحلته البطيئة إلى الخارج تذكرنا بأن الكون ليس ثابتاً، بل يتغير باستمرار وإن كان ذلك بخطوات لا نكاد نلمسها. بالنسبة للعلماء، كل سنتيمتر إضافي يبتعد فيه القمر عن الأرض هو مفتاح جديد لفك أسرار الجاذبية وتاريخ هذا النظام الفريد من نوعه.

ذو صلة