ذكاء اصطناعي

شجرة من زمن الديناصورات تُزهر أخيرًا بعد 200 مليون عام!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

أثمرت شجرة صنوبر ووليمي النادرة لأول مرة في حديقة زوجين بريطانيين.

يمثل هذا الحدث إنجازًا علميًا يساهم في جهود الحفاظ على الأنواع النباتية النادرة.

نجحت الشجرة في التلقيح الذاتي والنمو الطبيعي رغم كونها خارج موطنها الأصلي.

هذا الاكتشاف يفتح إمكانيات جديدة لإنقاذ الأنواع النباتية من خطر الانقراض.

سيتم فتح الحديقة للزوار في مايو 2025 لمشاهدة هذه المعجزة البيئية.

في قرية ووتشنفورد الهادئة بإنجلترا، خطفت حادثة بيئية استثنائية أنظار علماء النبات حول العالم. فقد تمكن الزوجان البريطانيان المتقاعدان باميلا وأليستر طومسون من تحقيق إنجاز غير مسبوق بعدما أثمرت شجرتهما النادرة من نوع *صنوبر ووليمي*—وهي شجرة تعود بجذورها إلى ما قبل أكثر من 90 مليون عام عندما كانت الديناصورات تجوب الأرض.

يُعد هذا الحدث أكثر من مجرد نجاح في الزراعة المنزلية، بل هو خطوة علمية يمكن أن تفتح آفاقاً جديدة في جهود الحفاظ على أحد أندر الكائنات النباتية على وجه الأرض. بدأت قصة الزوجين عام 2010 حين فازا بشتلة من هذا النوع في مزاد خيري مقابل 50 جنيهاً إسترلينياً فقط، ولم يتخيلا حينها أن استثمارهما المتواضع سيُسهم يوماً في كتابة فصل جديد في علم الأحياء القديمة.

وهذا يقودنا إلى التحدي الأكبر الذي يواجه هذه الأنواع النادرة، وهو القدرة على التكاثر في بيئة تختلف تماماً عن موطنها الأصلي في أستراليا.


تكاثر طبيعي بعد ملايين السنين

ما فاجأ العلماء فعلاً هو أن الشجرة أزهرت وأنتجت مخاريط ذكرية وأنثوية في آنٍ واحد، ما سمح بعملية التلقيح الذاتي والنمو الطبيعي للبذور. كانت التقديرات السابقة تشير إلى استحالة حدوث هذا النوع من التكاثر خارج بيئتها الأصلية، لكن ما حدث في حديقة صغيرة بإنجلترا غيّر النظرة العلمية السائدة وفتح الباب أمام إمكانية إنقاذ هذا النوع من خطر الانقراض عبر إدخال التنوع الجيني الطبيعي بعد سنوات من الاعتماد على الاستنساخ الزراعي.

ويرتبط هذا الإنجاز مباشرة بالجهود الدولية التي تسعى لزيادة مقاومة النباتات النادرة للأمراض والتغيرات المناخية، في وقت تتعرض فيه الغابات القديمة في أستراليا لتحديات كبيرة، خصوصاً بعد حرائق عام 2020 التي استدعت تدخل المروحيات لحماية آخر تجمعات صنوبر ووليمي في موطنها الجبلي السري.


شجرة من الماضي... في حديقة اليوم

يتميز هذا الصنوبر بملمس لحائه البني الذي يشبه الشوكولاتة وبأوراقه الحلزونية المرنة، ما يمنحه مظهراً أقرب إلى الكائنات التي نقرأ عنها في كتب الجيولوجيا القديمة. هذه الصفات لم تتغير منذ الحقبة الطباشيرية، حين كانت القارات ما تزال تتشكل. لذا يعتبره الباحثون "أحفورة حية" تكشف كيف يمكن للطبيعة أن تحفظ أسرارها لملايين السنين.

ومن هنا تتضح العلاقة بين الاكتشاف الأصلي لهذه الشجرة عام 1994 على يد الحارس الأسترالي ديفيد نوبل في وادي ناءٍ بووليمي الوطنية، وبين الحدث الحالي الذي يثبت أن استدامة الكائنات القديمة ممكنة إذا توفرت لها الرعاية الدقيقة.


من شغف الهواة إلى خدمة العلم

يقول الزوجان إنهما يعتنيان بالشجرة بعناية أشبه برعاية مولود نادر، يراقبان نمو المخاريط صباحاً ومساءً ويصفانها بأنها "عمالقة نائمة من زمنٍ آخر". ويؤكد أليستر أن الصبر والالتزام هما سرّ النجاح في تربية هذا النوع الذي يحتاج إلى تربة جيدة التصريف وضوءٍ مرشّح وحماية من الصقيع—عوامل تجعل رعايته مسؤولية علمية أكثر منها هواية زراعة.

بهذا المعنى يتقاطع شغفهما المنزلي مع جهود العلماء في الحدائق النباتية الكبرى، مثل حدائق "كيو" الملكية، التي تعد اليوم من أبرز الجهات التي تتابع تطور هذه الظاهرة بهتمام بالغ.


إرث حيّ للمستقبل

ذو صلة

يخطط الزوجان لفتح حديقتهما للزوّار في مايو 2025، ليتمكن الناس من مشاهدة هذه المعجزة النباتية عن قرب، في خطوة تُبرز دور المواطنين في دعم الحفاظ على التنوع البيولوجي. هذا التفاعل بين العلم والجمهور يعكس كيف يمكن لأعمال فردية بسيطة أن تُسهم في حماية إرث طبيعي يمتد إلى عصور ما قبل التاريخ.

في نهاية المطاف، تروي هذه القصة حكاية أمل ضمن عالمٍ يتغير بسرعة. فبينما تكافح الأنواع القديمة للبقاء، يبرهن الإنسان أن الشغف والمعرفة يمكن أن يلتقيا لحماية الحياة ذات الجذور الضاربة في أعماق الزمن. إنها ليست مجرد قصة شجرة، بل درس في الصبر والوعي البيئي والقدرة على وصل الماضي بالحاضر من أجل مستقبل أكثر خضرة واستدامة.

ذو صلة