شعاع الليزر الذي أذهل العالم: كيف غيرت الصين قواعد استكشاف الفضاء بنجاحها في وضح النهار؟

4 د
تمكن علماء الصين من إطلاق شعاع ليزر دقيق نهاراً لإصابة قمر صناعي حول القمر.
يعتبر هذا الإنجاز خطوة كبيرة في تكنولوجيا استكشاف الفضاء العميق والتحديات الضوئية.
يتيح تتبع الأقمار الصناعية بالليزر دقة ملاحية عالية حتى تحت آضواء الشمس الساطعة.
الصين تطمح لاستخدام هذه التقنية في إنشاء قاعدة قمرية دائمة بالتعاون مع روسيا.
يدعم هذا الإنجاز عمليات مستقبلية لبناء بنية تحتية قوية ومستدامة في الفضاء البعيد.
لأول مرة في التاريخ، وفي مشهد قد يبدو مستوحىً من أفلام الخيال العلمي، تمكن فريق علماء من الصين من إطلاق شعاع ليزر دقيق وإصابته لهدف هو قمر صناعي يدور حول القمر، وذلك في وضح النهار. نعم! فعلوا ذلك بالفعل، مسجّلين بذلك إنجازًا مهمًا في تكنولوجيا استكشاف الفضاء العميقة، في حدث أثار دهشة العالم أجمع.
تخيل أنك تحاول إصابة هدف شديد الصغر يشبه شعرة رقيقة تقع على بعد أكثر من ستة كيلومترات، وكل هذا تحت أشعة الشمس الساطعة.. هذا بالضبط ما تمكن خبراء مختبر الصين لاستكشاف الفضاء العميق من إتقانه مؤخرًا، مستخدمين القمر الصناعي "تياندو-1". إذ تُعتبر هذه التجربة الناجحة التي أجريت مطلع عام 2024، إنجازاً ضخمًا يتجاوز كافة الصعوبات الفنية المرتبطة بإضاءات الشمس العالية التي كانت تعيق التجارب المماثلة حول العالم.
هذا الإنجاز لا يقف عند حدود الدهشة، بل له فوائد عملية ملموسة في مجال استكشاف الفضاء. فإصابة هدف صغير الحجم بدقة كهذه ليست مهمة سهلة أبداً، وتتطلب إلماماً عالياً بتقنيات البصريات والميكانيكا المدارية والتوقيت الدقيق. وهذا بالفعل ما أثبت العلماء في الصين تمكنهم منه، حين قاموا بتوجيه شعاع الليزر نحو "تياندو-1"، وهو جزء من مجموعة من ثلاثة أقمار صناعية تم إطلاقها العام الحالي خصيصاً لإنشاء شبكة اتصال وملاحة حول القمر.
هذا التطور يعني أن العلماء أصبحوا قادرين على الحصول على بيانات دقيقة عن موقع القمر الصناعي بشكل دائم، حتى في أشد الظروف سطوعًا لضوء الشمس. وبالتالي بات بالإمكان مضاعفة الفترات التي يتم خلالها تتبع القمر الصناعي بدقة، ما يعتبر تطوراً ثورياً في مجال الملاحة الفضائية. وللمهمات المستقبلية كالمركبات الفضائية ورواد الفضاء الذين قد يهبطون على القمر، توفر هذه التقنية بيانات دقيقة وعمليات اتصال مستمرة ستضمن سلامة الرواد وتعزز فرص نجاح رحلاتهم.
ومما لا شك فيه، فإن مراقبة قمر صناعي ليلاً عبر التلسكوبات التقليدية هي مهمة معقدة بحد ذاتها، تخيل إذن إجراءها في ساعات النهار وباستخدام أدوات مثل الليزر. في الواقع، تعكس هذه التجربة الأخيرة مدى التطور التكنولوجي الهائل الذي وصل إليه مجال استكشاف الفضاء في الأعوام الأخيرة.
وهذا ما يربطنا مباشرةً بأهمية تقنية تتبع الأقمار الصناعية بالليزر خلال النهار. فهذه القدرة التقنية الجديدة قالت وِداعًا لأكبر عقبة في تتبع الأقمار بين الأرض والقمر، ليصبح بإمكاننا الآن تأمين تنقل ذات دقة عالية في كافة الأوقات، دون عرقلة من ضوء الشمس. ونتيجة لذلك، ستكون عمليات هبوط المركبات الفضائية على سطح القمر أكثر أمانًا، وكذلك سيكون التنسيق بين مختلف الروبوتات المتواجدة على سطح القمر في الوقت الحقيقي أكثر سهولة ودقة.
في الحقيقة، لا تقتصر الطموحات الصينية عند مجرد تحقيق هذا الإنجاز التقني، بل تمتد أهدافهم أبعد من ذلك بكثير. فبَعد نجاح مهمة "تشانغ آه-6" التي أعادت عينات من الجانب البعيد للقمر، تستعد الصين لإطلاق مهمة "تشانغ آه-8" بحلول عام 2028، والتي تهدف لاختبار مفاعل نووي مصغر وبعض البنية التحتية اللازمة لإنشاء قاعدة قمرية دائمة، بالتعاون مع روسيا. وبالتأكيد، ستكون تقنية استهداف الليزر الجديدة أساسية في دعم مثل هذه المستقبلات والمشاريع المحتملة لإرسال البشر للقمر قبل نهاية العقد.
ومن الجيد أن نتذكر دائماً أن المركبات ذاتية القيادة على الأرض تعتمد على أجهزة استشعار تعمل تحت مختلف الظروف، ويجب أن تعمل مركبات الفضاء بذات الطريقة. تقنية كشف الموقع بالليزر أثناء النهار تعطي لبرامج استكشاف القمر الضوء الأخضر لتصبح "على أهبة الاستعداد" في كل الأوقات.
من هنا يتضح أن القفزة التقنية الصينية في مجال تحديد المواقع الفضائية باستخدام الليزر لم تعد مجرّد سِجل قياسي سجّل في وثائق الفضاء، إنما هي أيضاً خطوة هامة لإنشاء بنية تحتية قوية ومستدامة للفضاء البعيد. فالحدّ من المشكلة الناتجة عن وهج الشمس كان عائقاً معروفًا في التواصل الملاحي بين الأرض والقمر، وتمكنت الصين فعليًا من تجاوزه، الأمر الذي يمهّد لعمليات اتصالات متواصلة وتحديد مواقع دقيق على مدار الساعة، مما يخدم مختلف المجالات من أبحاثٍ علمية ومشروعاتٍ تجارية محتملة على سطح القمر.
في نهاية المطاف، يذكّرنا هذا الحدث كم أن الإنجازات الكبيرة قد تُحدِث تغييرات هائلة في حياتنا. ربما تبدو هذه التكنولوجيا الآن مجرد تجربة تقنية، لكن المستقبل قد يحمل لنا تحولاً جذريًا في حياة البشر على القمر وأبعد منه. وبينما تحلّق خيالات العلماء أبعد وأبعد، يبقى التساؤل مطروحًا: ما هي الخطوة الكبيرة التالية في رحلة الإنسان لاستكشاف الفضاء؟ وكيف يمكن لدول العالم أن تتعاون أكثر في مغامرات استكشافية كهذه؟ اتركوا لنا آراءكم وواصلوا الحوار، فاستكشاف الفضاء هو رحلة نكتب فصولها جميعًا.