شلال خفي في قاع المحيط: الشلال الأكبر على وجه الأرض الذي يسيطر على مناخنا بصمت تام!

3 د
شلال مضيق الدنمارك يعد الأكبر عالمياً، مخفيًا تحت أمواج الأطلسي.
يشكله تباين كثافة، حرارة، وملوحة المياه، لتنشأ تيارات قوية هائلة.
يساهم هذا الشلال في تنظيم الحرارة العالمية ويأثر على مناخ أوروبا.
الاحتباس الحراري يسهم بتغيير ديناميكياته، يوجب دراسة علمية مركزة.
الأبحاث تعمل على فهمه بشكل أعمق لتحسين التنبؤات المناخية المستقبلية.
حين تُذكر كلمة "شلال"، تتبادر فوراً إلى ذهنك مشاهد مذهلة كشلالات نياغارا الشهيرة أو شلالات أنجل الفنزويلية الأطول في العالم. لكن ماذا لو أخبرتك أن أكبر شلال على كوكب الأرض لا تجده في أي كتيب سياحي أو صورة فوتوغرافية؟ فهذا العملاق الخفي يقبع في أعماق المحيط الأطلسي، وبالتحديد في مضيق الدنمارك بين جزيرة غرينلاند وأيسلندا.
هذا المشهد الفريد والغريب يتمثل في "شلال مضيق الدنمارك"، وهو شلال بحري يغوص بصمت تحت مئات الأمتار من مياه البحر الجليدية. تخيل شلالاً بارتفاع مذهل يبلغ حوالي 3500 متر تقريباً، أي ضعف ارتفاع شلال أنجل الذي يبلغ 979 متراً فقط، وبضعف ارتفاع العديد من القمم الجبلية المعروفة.
كيف يتشكل هذا العملاق المخفي؟
بخلاف الشلالات المعروفة التي تكونت عبر آلاف السنين عندما تلتقي الأنهار بالحواف العالية للجبال أو المنحدرات، فإن شلالات أعماق المحيطات، وشلال الدنمارك تحديداً، تُشكِّلها قوى فيزيائية بحتة متعلقة بكثافة المياه ودرجة حرارتها وملوحتها. المياه الباردة والغنية بالأملاح من البحار الشمالية تصبح أكثر كثافة من المياه الدافئة الأقل ملوحة في الجنوب. وهكذا، تماماً كما يسيل شراب كثيف فوق سطح مائل، تنزلق كميات ضخمة من هذه المياه المعتادة ببطء شديد فوق حافة بعيدة تحت سطح البحر، في ظاهرة خفية تكاد تكون مثيرة للدهشة.
هذه المياه الثقيلة تنحدر على طول حافة تحت الماء من صنع العصور الجليدية الماضية التي حفرت قيعان المحيطات وشكلت هذه التلال والحواف الصخرية. الشلال يمتد لمسافة تقدر بـ 300 ميل من المياه المنزلقة بصمت في أعماق المحيط، بحجم تدفق هائل يصل إلى 3.2 مليون متر مكعب في الثانية الواحدة، متجاوزاً حجم تدفق نهر الأمازون نفسه!
هذه الظاهرة ليست مجرد مشهد مذهل للطبيعة، بل تؤدي دوراً أساسياً في نظام كوكبنا المناخي. ويُعرف الدور الحاسم لهذا الشلال بأنه يدعم الدورة الدورانية الأطلسية المعروفة باسم ال-AMOC (تيارات الانقلاب الأطلسية)، وهي نظام هائل من التيارات البحرية التي تعمل كبساط متحرك عملاق، ينقل المياه الباردة والدافئة والملوحة والمغذيات عبر محيطات الكوكب.
أهمية شلال مضيق الدنمارك للمناخ العالمي
مع استمرار ظاهرة الاحتباس الحراري وتغيرات المناخ، تخضع هذه التيارات ومحركاتها الأساسية، ومنها شلال مضيق الدنمارك، لمراقبة دقيقة من العلماء. هنا تكمن قوة هذا الشلال البحرية: فهو ينظم توزيع الحرارة بين المناطق المدارية والبُعد قطبية، مساهماً في اعتدال مناخ أوروبا وتغذية الحياة البحرية والتأثير بشكل غير مباشر على أماكن وجود الأسماك التي نشتريها من السوق!
وفي تصريح لها، أشارت الباحثة آنا سانشيز فيدال إلى أن التغير المناخي بدأ يؤثر بالفعل على هذه الظواهر البحرية العميقة في أماكن أخرى كالسواحل الكتالونية، وهو ما يدعو لمزيد من الجهود في الرصد العلمي ودراسة احتمالات انعكاس هذه التغيرات على المناخ العالمي.
علماء يتطلعون لفهم أوسع للعملاق المختبئ
صحيح أن السياح لن يستمتعوا برؤية هذا الشلال العجيب أو سماع هديره، إلا أن العلماء يستعينون بأجهزة الاستشعار البحرية والغواصات الآلية وكذلك الأقمار الصناعية في محاولة لفهمه ورصد تفاعلاته وارتباطاته المعقدة بكل دقة. فكل معرفة جديدة عن هذا الكنز البحري يعني خطوة إضافية نحو فهم دقيق لتغيرات المناخ التي أصبحت تؤثر على حياتنا اليومية بشكل واضح.
في المستقبل، قد تنجح المهمات العلمية الجديدة في متابعة ورسم هذا الشلال الجوفي المخفي بتفصيل أكبر ثلاثي الأبعاد، وتقييم مدى تأثيره على مناخنا اليومي وحياتنا البحرية. وستساعد هذه البيانات في إدراك كيفية عمل الدورة الحرارية البحرية بشكل شامل، مما يتيح لنا توقعات مناخية أكثر دقة وتنبؤات أفضل بنمط حياتنا في المستقبل.
إذن، ربما لا توجد صور جذابة أو مراكز سياحية لشلال مضيق الدنمارك، إلا أن تأثيره الهائل لا يمكن تجاهله، حيث يبقى هذا العملاق الموجود أسفل مياه المحيط لاعباً رئيسياً، يحرك المناخ والطبيعة البحرية بصمت تام، بينما نستمتع نحن على سطح الأرض بالمناظر الأخرى والأجواء المعتدلة.