ذكاء اصطناعي

شهادة صادمة: أطفال يتعرضون للتحرش وانتهاكات جنسية داخل واقع Meta الافتراضي

مجد الشيخ
مجد الشيخ

4 د

أدلى موظفان سابقان في ميتا بشهادات صادمة حول محتوى غير لائق للأطفال.

تتهم الشهادات ميتا بتجاهل التحذيرات ومحاولة عرقلة التحقيقات بشأن الأمان الرقمي للأطفال.

مسؤولو ميتا نفوا الاتهامات، معتبرين أنها لا تعكس الصورة الكاملة.

يطالب الكونغرس بتشريعات تلزم شركات التكنولوجيا بمسؤولية حماية الأطفال في العالم الرقمي.

تكشف القضية عن مخاطر تتزايد مع تطور تقنيات الواقع الافتراضي.

لم يعد عالم الواقع الافتراضي افتراضياً بالكامل حين يتعلق الأمر بسلامة الأطفال، فمؤخراً تصاعد الجدل مجدداً حول شركة "ميتا" العملاقة (المالكة لفيسبوك وإنستغرام وأجهزة الواقع الافتراضي)، بعدما أدلى موظفان سابقان بشهادات صادمة أمام الكونغرس الأمريكي. فقد كشف الاثنان أن منتجات ميتا للواقع الافتراضي ـ تلك التي تُسوق للأطفال والمراهقين كمصدر للترفيه والابتكار ـ باتت مرتعاً لمشاهد وممارسات غير لائقة تشمل محتوى جنسي، تحرش، وابتزازات يتعرض لها القاصرون، بينما تقول شهاداتهم إن الشركة تجاهلت التحذيرات وحاولت عرقلة البحث في الموضوع.

في هذه الأجواء المشحونة بالغضب والخوف على أجيال المستقبل، يجد كثير من الأهالي والمراقبين أنفسهم في مواجهة مفهوم جديد تماماً لما قد يترصد بالطفل عبر الإنترنت. ذلك أن تقنيات الواقع الافتراضي التي تعد بخلق تجارب غامرة وثورية قد فتحت كذلك، بحسب الشهادات والمستندات، مسارات خطيرة نحو الاستغلال والإيذاء، وهي اتهامات تُلقي الضوء على قضايا الشفافية والإجراءات الداخلية داخل كبرى شركات التكنولوجيا.


شهادات مباشرة تحرج إدارة ميتا

ركزت جلسة الاستماع الأخيرة أمام لجنة في مجلس الشيوخ الأمريكي على وقائع وأحداث بلغ عنها كل من "جيسون ساتيزان" و"كايس سافاج"، وهما باحثان سابقان في ميتا عملا على دراسة تأثير منتجات الشركة على المستخدمين الصغار. تحدث الاثنان بشكل واضح عن مشاهد مقلقة رصدوها وشكاوى وثقتها فرقهم، من بينها تعرض أطفال للتنمر، والإساءة الجنسية، واستدراجهم إلى محادثات ومحتوى للبالغين مثل المقامرة أو حتى نوادي التعري الافتراضية.

اللافت في الشهادتين أن ضغوطاً مورست عليهما ـ بحسب قولهما ـ من إدارة الشركة نفسها لوقف التعمق في هذه التحقيقات العلمية، وأنه في حالات معينة تم حذف أدلة تتعلق باستدراج أطفال ومضايقتهم على المنصات الثلاثية الأبعاد. وهكذا، انقلبت بيئة العمل التي بدأت بدور الأستاذ أو الباحث المتخصص في أمن الطفل، إلى معركة توثيق وصراع مع السياسات الداخلية المصممة، كما يقولون، لحماية سمعة الشركة لا المستخدمين.

الربط هنا ضروري لفهم ما يعصف بسوق التقنية العملاقة اليوم، حيث صارت شهادات سرية وملاحظات الموظفين السابقين أداة فعالة في الدفع نحو التغيير التشريعي، إلى جانب ضغط المحامين وجمعيات أولياء الأمور.


اعترافات متضاربة وسجال تشريعي محتدم

مسؤولو ميتا، من جهتهم، سارعوا إلى نفي الاتهامات برمتها، معتبرين أن الانتقادات استندت إلى "وثائق مجتزأة" الصياغة ولا تعكس الصورة الكاملة. وأضاف متحدث باسم الشركة أن فرق العمل داخل ميتا أجرت عشرات الدراسات حول الأطفال والشباب، وأن أي جمع للبيانات من مستخدمين دون 13 عاماً يخضع لمعايير حماية صارمة يفرضها القانون الأمريكي والأوروبي.

لكن جدل الشفافية والأولوية بين السلامة والأرباح لا يهدأ. فالكونغرس عاد وطالب بسرعة سن تشريعات تلزم شركات التواصل الاجتماعي بمسؤولية حقيقية لحماية الأطفال في العالم الرقمي، خصوصاً بعد تكرار شكاوى أسر وعائلات من الأذى النفسي الذي تسبب فيه "الميتافيرس" مثل حالات الابتزاز والبلطجة الافتراضية. ويبدو أن هناك توافقاً بين الديمقراطيين والجمهوريين في الإلحاح على منح القضاء الأدوات الكافية لمساءلة عمالقة التكنولوجيا، بحيث لا يفلتون من المسؤولية بحجة حرية الرأي أو تعقيدات التقنية.

ويعكس هذا الحراك أيضاً اتساع الهوة بين سرعة تطور التقنية الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وبيئات الواقع الافتراضي، وبطء استجابة الهيئات التشريعية أو الرقابية لها من أجل حماية القُصّر.


مأزق التكنولوجيا: بين الإلهام والمخاطر غير المرئية

هذه التطورات تكشف عن مفارقة تكنولوجية حادة: فبينما تستثمر شركات مثل ميتا مليارات الدولارات لجعل الواقع الافتراضي جزءاً من الحياة اليومية والاكتشاف والتعليم، فإن الموارد المخصصة لأمان الأطفال ومكافحة الانتهاكات لا تبدو متناسبة مع حجم المخاطر. موظفون سابقون يؤكدون أن الشركة كانت تدرك أن أرباحها ترتبط أساساً بكثافة مشاركة الأطفال وتفاعلهم اليومي، ولذا لم تكن متحمسة لإجراءات يمكن أن تحد من أعداد المستخدمين الصغار أو تقلل أرباح الإعلانات، حتى لو كان ذلك على حساب الأمان الرقمي.

ما يجعل الصورة أكثر تعقيداً، أن كثيراً من الأهالي لا يملكون المعرفة أو الوعي الكافي بمخاطر تفاعل أبنائهم مع الغرباء في بيئات افتراضية ثلاثية الأبعاد، حيث تتداخل حدود الواقع بالوهم وتصبح فرص التسلل إلى الخصوصية أكبر من أي وقت مضى.

ذو صلة

هذا يربط بين انشغال الرأي العام اليوم وتسارع الحراك التشريعي مع طموحات شركات التكنولوجيا الكبرى بشأن المستقبل الرقمي، في معركة حقيقية حول من يضع قواعد اللعبة، وما إذا كان الطفل سيظل الحلقة الأضعف في هذا السباق.

في الختام، تعكس هذه القضية الأبعاد الحساسة لثورة الواقع الافتراضي ومواقع التواصل؛ فرغم ما تَعِد به من ابتكارات مذهلة، يحمل هذا العالم الغامر في طياته تهديدات جدية تطال القُصّر بشكل خاص. ومع استمرار تقاطع المصالح بين الشركات التقنية والمشرعين ـ تُثار تساؤلات جوهرية حول مسؤولية التكنولوجيا في حماية البشرية، وكيف يمكن لمعايير الأمان، الشفافية، الرقابة الأسرية، وقوانين حماية الأطفال أن تواكب هذا العصر المتسارع بلا خسائر فادحة.

ذو صلة