صخور تبيض كل 30 سنة… هل الأرض تخفي مخلوقات حجرية حية بيننا؟!

3 د
تظهر الصخور البياضة كل ثلاثين عامًا، مثيرة دهشة العلماء والسكان المحليين.
تتشكل التكتلات الكروية من تجمع المعادن حول نواة لتصبح كرات صخرية.
تنتشر هذه الظاهرة في داكوتا وكولورادو بالصين حيث يظهر الصخور كأن الجبل يلدها.
تعكس الصخور التفاعل المثير بين المعتقد الشعبي والتفسير العلمي.
تبقى الصخور البياضة تذكرة بأن الطبيعة تحتفظ بالكثير من الأسرار.
تخيل جرفًا صخريًا بعيدًا في إحدى القرى النائية، حيث تظهر “بيضات حجرية” من باطن الصخور كل بضعة عقود وكأن الجبل نفسه يلدها. قد يبدو المشهد من وحي الأساطير الشعبية، لكنه حقيقة تحدث بالفعل وتحيّر الباحثين منذ سنوات طويلة.
الظواهر الطبيعية غالبًا ما تمنحنا مشاهد تبدو خارجة عن حدود الواقع، وهذا ما يحدث مع ما يُعرف بـ “الصخور البياضة”. هذه الت formations ليست نتاج خيال، بل نتيجة مباشرة لعمليات جيولوجية عميقة الجذور تعيد تشكيل باطن الأرض عبر ملايين السنين. وهكذا نجد أنفسنا أمام مشهد يمزج بين الغرابة العلمية وسحر الحكايات الشعبية، ما يجذب اهتمام السكان المحليين والباحثين على حد سواء.
كيف تتشكل الصخور الكروية؟
السر يكمن في ما يُعرف بـ “التكتلات الكروية” أو **Concretions**، وهي كتل صلبة تتكون عندما تتجمع المعادن شيئًا فشيئًا حول نواة مركزية مثل قطعة فوسيل أو مادة عضوية قديمة. بمرور الزمن، تترسّب المعادن من المياه الجوفية وتتراكم حول تلك النواة حتى تتخذ شكلاً دائريًا كاملاً، أشبه بالكرة أو البيضة. هذا التراكم يستمر مدفونًا في طبقات الأرض حتى تكشفه عوامل التعرية، فيخرج للسطح مثل صفار انفصل عن بياضه.
وهذا يفسر العلاقة بين شكل هذه الصخور الغريب وبين العمليات البطيئة التي تجري في أعماق الأرض، والتي لا نلمسها إلا عندما تمنحنا الطبيعة فرصة استثنائية كهذه.
من داكوتا إلى الصين: رحلة الظاهرة
في أمريكا الشمالية، وتحديدًا في ولايتي داكوتا وكولورادو، تنتشر “كرات مدفعية” صخرية كبيرة، بعضُها بحجم كرة قدم وأخرى أشبه بصخور كوكبية صغيرة، وقد أصبحت جزءًا من المشهد الطبيعي في متنزه ثيودور روزفلت الوطني. هناك يخرج البيض الحجري إلى السطح بفعل عوامل التجوية والرياح والأمطار التي تعرّي الصخور الطَرية وتطلق الكرات الدائرية.
لكن الأكثر إثارة هو ما يحدث في إقليم قويتشو جنوبي الصين، حيث يقف جرف صخري بارتفاع ستة أمتار يشتهر بأنه “يلد” بيضًا كل ثلاثين عامًا تقريبًا. فمع مرور الوقت تتعرى طبقاته الطرية في حين تصمد التكتلات الكثيفة داخله حتى تسقط متحررةً كأن cliff يفرّخها واحدة تلو الأخرى.
هذا التنوع الجغرافي في مواقع الصخور البياضة يوضح أن الظاهرة ليست محصورة بمكان واحد، بل هي نتاج عمليات جيولوجية كونية مشتركة.
بين الأسطورة والعلم
المثير للاهتمام أن سكان القرى المحيطة بالجرف الصيني ربطوا الظاهرة بحكايات خيالية، معتبرين أن الجبل كائن حي “يمنح بيضه” للبشر. أما العلماء فيرونها انعكاسًا دقيقًا لاختلاف سرعة تآكل الصخور: فالحجر الجيري الطري ينهار سريعًا بينما تقاوم كريات التكلس الزمن إلى أن تنكشف فجأة. مرور ثلاثين عامًا ليس سرًا غيبيًا بقدر ما هو إيقاع طبيعي لعملية تآكل متكررة في بيئة مستقرة.
وهذا بدوره يعكس التفاعل المستمر بين المعتقد الشعبي والتفسير العلمي، حيث يجد الإنسان دائمًا سرديات تقترب من الخيال لتفسير ما لا يعرف.
خاتمة
بين السحر والأسطورة والعلم الدقيق، تبقى “الصخور البياضة” مثالًا على أن الأرض لا تكف عن إدهاشنا. فكل ثلاثين سنة تقريبًا، تذكّرنا هذه الكرات الصخرية بأن ما نخاله جامدًا وصامتًا في باطن الأرض يتحرك وفق إيقاعه الخاص ويمنحنا قصصًا جديدة نعيد روايتها كلما ظهر بيض جديد من قلب الصخور. إنها تذكرة بأن الطبيعة ما زالت تحتفظ بأسرار لم تكشفها كلها بعد.









