ذكاء اصطناعي

صنع الذهب في المختبر أصبح ممكناً، لكن هناك مشكلة واحدة فقط!

محمد كمال
محمد كمال

3 د

أصبح صنع الذهب في المختبرات العلمية ممكنًا ولكنه يتطلب تكلفة وطاقة هائلة جدًا.

التجارب الحديثة تستخدم مُسرِّع الجسيمات لتحويل المعادن إلى ذهب ولكن بكميات بسيطة.

الذهب المصنع مختبريًا غير عملي اقتصاديًا بسبب التكلفة الباهظة للإنتاج.

التجارب تكشف جوانب طبيعة المادة والقوى النووية في ظروف متطرفة.

يبقى الذهب الطبيعي أسهل للاستخراج من محاولات تصنيعه مختبريًا حاليًا.

ماذا لو سمعت أن العلماء باتوا قادرين على صناعة ذهب حقيقي داخل المختبرات العلمية؟ حسناً، إن هذا الأمر بالفعل ممكن الآن، وهو يبدو وكأنه حلم قديم من أحلام خبراء الكيمياء القدماء، الذين طالما حاولوا السيطرة على هذا المعدن الثمين. إلا أن الموضوع لا يخلو من مشكلة واحدة مهمة للغاية: التكلفة والطاقة الهائلة المطلوبة لتنفيذ الأمر.

في الواقع، يعود أصل الذهب الموجود على كوكب الأرض لتلك اللحظات الهائلة والعنيفة عندما انفجرت النجوم العملاقة أو اصطدمت النجوم النيوترونية في الكون، مفضيةً إلى إطلاق كميات ضخمة من الطاقة التي دمجت العناصر الأخف لتشكّل المعادن الثقيلة ك الذهب. وهذه المعادن انتشرت بين النجوم والكواكب، ومنها الأرض التي اكتسبت بهذا ذخيرتها من المعادن النفيسة.

لكن مع تقدم العلم، بدأ الإنسان محاولة تقليد هذه العمليات الهائلة داخل مختبراته. أنتج العلماء بالفعل الذهب عبر عملية تسمى التفاعل النووي، عن طريق التلاعب بعدد البروتونات داخل نواة الذرة. فالذهب يمتلك 79 بروتوناً في قلب ذرته، وإذا تمكن العلماء من إزالة أو إضافة بروتون واحد فقط، ستتحول هذه الذرة إلى معدن آخر مختلف: فعندما نفقد بروتونا يصبح بلاتينيوم، وعندما نضيفه يصبح زئبقاً.


 التجارب التي أشعلت الأمل.. وصدمتها مواجهة الواقع

أُجريت تجربة شهيرة عام 1941 حيث استُخدمت النيوترونات لتحويل ذرات الزئبق إلى ذهب. وبالرغم من نجاح التجربة، إلا أن الذهب الناتج كان مشعاً، وغير مستقر. لكن مجرد قدرة الإنسان على صنع هذا المعدن الثمين داخل المختبر شكّل انتصاراً علمياً مثيراً، وأعاد إحياء حلم "الخيميائيين".

وفي سبيل تحقيق نفس النتيجة بصورة مشابهة، استخدمت المختبرات الحديثة أقوى مُسرِّعٍ للجسيمات في العالم، "مصادم الهادرونات الكبير" في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية CERN. هناك حدث أن تمّ تحويل بعض ذرات الرصاص إلى الذهب بواسطة تصادمات عالية الطاقة. كانت هذه العملية بالذات أشبه بخلق حالة من المادة تسمى "بلازما الكوارك والغلوون"، التي تشكّل نوع المادة الذي وُجد في بدايات نشأة الكون، لحظة الانفجار العظيم. إلا أن الذهب المنتج من هذه الطريقة كان أيضاً بكميات بائسة، وتطلب قدراً هائلاً من الطاقة والإمكانات المادية والتكنولوجية.

ومن الأمثلة التاريخية المشهورة أيضاً، ما فعله العالم الحاصل على جائزة نوبل جلين سيبورغ في الثمانينيات، عندما تمكن من تحويل ذرات البزموت إلى ذهب باستخدام مسرّع جزيئات، عبر قذف البزموت بذرات الكربون. رغم جمالية الإنجاز العلمي، اعترف سيبورغ بنفسه أن تكلفة إنتاج ذرة واحدة من الذهب بهذه الطريقة قد تصل إلى ما يزيد عن كوادريليون دولار (مليون مليار دولار)، وهو ما يجعل الفكرة سخيفة اقتصادياً.

هذا يعيدنا إلى حقيقة بديهية واضحة: أن صنع الذهب في المختبر، رغم أنه ممكن، يظل غير عملي على الإطلاق. فمن الذي سيرغب في دفع ملايين الدولارات لإنتاج ذهب قيمته بضعة دولارات؟!

ذو صلة

رغم هذا الواقع المؤلم اقتصادياً، لا تزال هذه التجارب تحظى بأهمية كبيرة لأنها تكشف عن بعض جوانب الطبيعة والقوى النووية وطبيعة المادة في الظروف القصوى. فالتحديات العلمية والهندسية التي تواجه هذه التجارب تأخذنا خطوة نحو فهم أعمق لطبيعة الذرة والكون، خصوصاً إذا ما عرفنا أن هذه البحوث تُعيد تمثيل حالات مشابهة لتلك التي عرفتها بدايات تشكل الكون وتكوّن المعادن الثقيلة.

وبالعودة إلى الموضوع الأساسي، يبقى الذهب الطبيعي الناتج عن تفاعلات نادرة في قلب النجوم والكواكب أسهل بكثير للاستخراج من محاولة إنتاجه مختبرياً. وعلى العلماء الآن مواصلة بحثهم عن طرق أكثر استدامة وربما اقتصادية، لخلق أشياء أكثر قيمة علمياً وتكنولوجياً بدلاً من التركيز على معدن يبدو بقاؤه طبيعياً هو الخيار الأفضل.

ذو صلة