طباعة عظام بشرية أثناء الجراحة… هل بدأ عصر البشر المُعاد تركيبهم؟

3 د
تمكن باحثون كوريون من تحويل مسدس الغراء لأداة جراحية لطباعة العظام بلحظية.
تُمكّن التقنية الجديدة الأطباء من طباعة طعوم عظمية مباشرة أثناء العمليات الجراحية.
الهندسة الحيوية تُدمج مع الممارسات الجراحية لابتكار حل لأمان وسرعة العناية بالعظام.
الابتكار يُمَكِّن من دمج مضادات حيوية في الطعوم لتقليل العدوى والمضاعفات.
التجربة بحاجة لمزيد من الدراسات والاعتمادات قبل تعميمها في غرف العمليات عالميًا.
في مفاجأة قد تبهج عشاق الحِرف اليدوية وعالم الجراحة معًا، تمكن باحثون في جامعة سونغ كيون كوان الكورية من تحويل مسدس الغراء التقليدي المستخدم في الأشغال اليدوية إلى جهاز طبي متقدّم قادر على طباعة طُعوم عظمية صناعية ثلاثية الأبعاد مباشرة على أنسجة المريض الحية خلال العمليات الجراحية. هذا الابتكار الفريد قد يمهد الطريق لثورة في علاج الكسور وإعادة بناء العظام بطريقة أسرع وأكثر أمانًا واقتصادية للأطباء والمرضى.
منذ سنوات، ظلت مستشفيات العالم تعتمد على الطُعوم العظمية التقليدية، أو الأسمنت العظمي، وكذلك على الدعامات المعدنية، لتعويض العظم المفقود في العمليات الجراحية. وهنا جاء دور التقنية الجديدة التي طورها فريق سونغ كيون كوان لتعطي جراحي العظام حلاً مبتكرًا يتيح لهم معاينة مكان النقص أو الإصابة وطباعة سقالة عظمية "حسب الطلب" في واقع لحظي خلال الجراحة نفسها، دون الحاجة لتحضير مسبق أو استخراج عظام من مكان آخر في الجسم أو الاعتماد على مواد صلبة قد تدخل في صدام مع الجسم مستقبلاً. وهذا التوجه يواكب الحاجة المتزايدة لحلول الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد، حيث باتت التقنيات الحديثة تضيف أبعادًا جديدة لإصلاح أنسجة العظام بشكل يتواءم مع طبيعة الجسم ويمنع الالتهابات أو المضاعفات طويلة الأمد.
كيف تعمل التقنية الجديدة؟ مزيج بين الهندسة الحيوية والممارسات الجراحية
لا تختلف فكرة الجهاز الجديد كثيرًا من حيث الشكل الخارجي عن مسدس الغراء الذي يعرفه الجميع، لكنه خضع لتعديلات دقيقة تمنحه قدرات غير مسبوقة. في قلب الابتكار، توجد "أعواد غراء" من نوع خاص، تتكوّن من مزيج بوليمري يدعى بولي كابرولاكتون (PCL) مع مادة هيدروكسي أباتيت الشبيهة بالمكوّن الطبيعي للعظم البشري. عند تسخين هذه الأعواد إلى درجة حرارة منخفضة نسبيًا حتى الذوبان، يمكن للطبيب "حقن" المادة السائلة مباشرة في منطقة الإصلاح، حيث تتصلب لتكوّن سقالة تدعم نمو العظم الطبيعي حولها تدريجيًا. والمثير أن التصميم المضغوط للجهاز يسمح للجراح بتعديل اتجاه وعمق الطباعة يدويًا أثناء العملية، ما يمنح تحكمًا فائقًا مقارنة بالوسائل القديمة.
تتميّز هذه التقنية أيضًا بإمكانية دمج مضادات حيوية مثل فانكومايسين وجينتاميسين داخل الخليط الطباعي نفسه، مما يعزز مقاومة العدوى في موقع الجراحة ويحد من حاجة المرضى لتناول أدوية إضافية عبر الفم، الأمر الذي يقلل من فرص تطور مقاومة للبكتيريا بشكل ملحوظ. يضمن هذا الدمج مزيدًا من الأمان الحيوي، وهو ما يشكّل نقطة قوّة مقارنة بالأسمنت العظمي التجاري التقليدي.
نصل الآن للحديث عن الفروقات مع الطرق التقليدية، والتي بدأت تتكرّر الحاجة لتنويعها نظرًا للتحديات المتزايدة في جراحات العظام. حيث أظهرت نتائج متابعات واختبارات دامت أكثر من 12 أسبوعًا أن السقالات المطبوعة الجديدة تتيح للعظم المعالَج نموًا طبيعيًا وهيكلية أقوى دون إثارة تحسس أو التهاب في المنطقة المصابة.
تحديات قبل الوصول لغرفة العمليات حول العالم
مع كل الحماسة للنتائج الأولية الواعدة، لا يزال أمام هذا الجهاز البسيط في مظهره والعظيم في فائدته بضع خطوات ضرورية قبل اعتماده بشكل رسمي في غرف العمليات. يحتاج الفريق البحثي إلى تطوير بروتوكولات تعقيم تضمن سلامة الجهاز حتى في البيئات الشديدة الحساسية لجراحات العظام، كما يلزم تنفيذ دراسات سريرية أوسع تلائم المعايير العالمية للموافقة الطبية. أما تصنيع هذه الأجهزة بشكل موحد، فهو المفتاح لتعميم التجربة دون تفاوت في الجودة من مكان لآخر.
ومن هنا تبرز الرؤية: دمج التقنية في صلب الممارسات اليومية للجراحين قد يجعل من ترميم العظام إجراء أسرع وأكثر مرونة ودقة ويعفي آلاف المرضى – وربما الملايين – من انتظار الطعوم أو الخضوع لجراحات معقدة.
في ضوء ذلك، نجد أن مجرد جمع مواد مثل البوليمرات الحيوية والهيدروكسي أباتيت مع طباعة ثلاثية الأبعاد ومضادات حيوية، يخلق قفزة نوعية توصلنا لمستقبل يصبح فيه إصلاح العظم عملية ذكية، شخصية، وسريعة.
في النهاية، يثبت هذا الإنجاز الكوري أن أبسط أدواتنا اليومية قد تصبح أعظم أسلحتنا الطبية إذا اجتمع الإبداع مع البحث العلمي الدقيق. وبينما ننتظر أن ترى هذه التقنية النور عالميًا، ربما سيحمل مسدس الغراء العادي بين أيدينا قصة نجاح غير متوقعة في الطب الحديث، ليغيّر مفهوم علاج كسور العظام من جذوره.









