“ظاهرة فلكية نادرة: نجم ينفجر مرتين ويعيد رسم حدود الفهم الكوني!”

3 د
رصد علماء الفلك لأول مرة نجمًا ينفجر مرتين متتاليتين في ظاهرة نادرة.
استخدم الباحثون التلسكوب الكبير جدًا لالتقاط دليل بصري لهذا الانفجار المزدوج.
يتضمن النموذج عملية "انفجار مزدوج" للنجم القزم الأبيض عبر اشتعال الهيليوم.
الاكتشاف يعيد صياغة فهم المستعرات الأعظمية Type Ia والكون.
يؤمل أن تحسن هذه الاكتشافات قياس توسع الكون وفهم تطور النجوم.
تخيل للحظة، أنك تراقب في سماء الليل نجمًا هادئًا براقًا، يفاجئك فجأة بانفجار ضخم يبهر عينيك، وبعد أن تهدأ هذه العاصفة المضيئة، يفاجئك مرة ثانية بانفجار جديد أقوى من الأول! قد يبدو لك الأمر أقرب إلى الخيال العلمي، لكنه حدث واقعي التقطته تلسكوبات الفلك للمرة الأولى في تاريخ الرصد الفضائي.
تمكن علماء الفلك مؤخرًا، باستخدام التلسكوب الكبير جدًا (VLT) التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي ESO، من التقاط أول دليل بصري واضح لنجم "القزم الأبيض" وهو ينفجر مرتين متتاليتين في حادثة فلكية استثنائية. وحدثت هذه الظاهرة المثيرة داخل بقايا السوبرنوفا المعروفة برمز SNR 0509-67.5، والتي تبعد عنا حوالي 160 ألف سنة ضوئية في كوكبة دورادو.
قصة النجم... من الاستقرار إلى الانفجار المزدوج!
لنفهم جيدًا ما حدث، علينا أن نتذكر ماهية الأقزام البيضاء. ببساطة، هي البقايا كثيفة الكتلة لنجوم مشابهة لشمسنا بعد نفاد وقودها النووي. وعادةً تحدث انفجاراتها في ما يسمى "مستعر أعظم" (Supernova)، وهو انفجار نجمي عنيف وقوي جدًا.
وفي حالة النجم SNR 0509-67.5، وجد العلماء نموذجًا مختلفًا يدعى بـ "انفجار مزدوج" (Double Detonation). ففي هذا النموذج، يقوم القزم الأبيض باجتذاب طبقة من الهيليوم من نجمه المجاور، وهذه الطبقة تشتعل أولًا، لينتج عنها موجة صادمة تنتقل بسرعة إلى داخل النجم، مما يُسبب انفجارًا ثانيًا في لُب النجم نفسه.
وهذا الاكتشاف يعيد صياغة نظرتنا إلى الآلية التي تولد المستعرات الأعظم من النوع Ia ("تايب 1 أي")، والتي لعبت دورًا مهمًا في فهم العلماء لطريقة توسع الكون، وأدت لنيل مكتشفيها جائزة نوبل في الفيزياء في عام 2011.
في الماضي، كانت النظرية الأكثر قبولًا في التفسير الفضائي هي أن القزم الأبيض ينفجر مرة واحدة فقط، بعد أن يجتاز ما يسمى حد شاندراسيخار، أي عندما تصل كتلة النجم لمرحلة حرجة. لكن الاكتشاف الجديد يثبت بوضوح أن الانفجار قد يحدث في الواقع قبل وصول النجم إلى هذه الكتلة الحرجة!
وهذا الكشف يجعلنا ندرك أهمية انفجارات المستعرات الأعظم Type Ia، فهي ليست فقط أحد أحداث السماء الجميلة التي يمكن رصدها، بل هي أيضًا مصدر هام لعنصر الحديد المنتشر في الكون—والحديد نفسه هو العنصر الأساسي داخل أجسامنا ودمائنا.
بعد كل هذه الإثارة الفضائية، يبقى سؤال مهم: كيف تمكن العلماء من تأكيد أن الانفجار حدث مرتين؟
في الواقع، لقد توقّع الفلكيون وجود إشارة أو بصمة واضحة على حدوث انفجار مزدوج. حيث يترك هيكل الانفجار طبقات خاصة من عنصر الكالسيوم، تظهر في النهاية كبصمة واضحة يمكن التحقق منها حتى بعد مرور مئات وآلاف السنين على حدوث الانفجار.
وبالفعل، هذا ما وجدوه تحديدًا عندما استخدموا جهاز مستكشف الأطياف (MUSE) المثبت على التلسكوب الكبير جدًا (VLT)، فقد تمكنوا من التقاط هذه الطبقات الواضحة من الكالسيوم، لتصبح الدليل الأول المرئي والصريح الذي يؤكد حدوث الانفجار مرتين في هذا المستعر الأعظم.
رؤية جديدة للكون... من قلب انفجار مزدوج
وتعلق الباحثة المشاركة في الدراسة بريام داس من جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا قائلةً: "إن تقديم دليل مرئي واضح لمثل هذا الانفجار المزدوج في نجم قزم أبيض هو إنجاز مثير للغاية، ويتيح لنا الكشف بوضوح عن الآليات الداخلية لأحد أكثر الحوادث الفضائية إثارة في الكون".
الباحثون يأملون في أن تساعد هذه الاكتشافات في تحسين تقنيات قياس المسافات والتحقق من معدل توسع الكون. فالانفجارات المتكررة للمستعرات تمنح العلماء فهمًا أعمق للطريقة التي تتطور بها النجوم، ولآلية نشاط الكون على نطاق واسع.
ختامًا، يفتح هذا الاكتشاف النادر نافذة فلكية جميلة ومهمة نحو إعادة فهمنا للطرق التي تُولد بها الانفجارات النجمية. ربما يمكننا في المستقبل القريب توسيع بحثنا من أجل العثور على مزيد من هذه الحوادث النادرة، فقد تساعدنا النماذج الجديدة والتحسينات المهمة في تكوين صورة أكثر دقة ووضوحًا لتاريخ هذا الكون المدهش الذي نعيش فيه.