علماء صينيون ينجحون في استنساخ أول عجل يَك في التاريخ لتطوير الماشية الجبلية

3 د
نجح علماء صينيون في استنساخ عجل يَك في هضبة التبت.
استُخدمت طريقة الاستنساخ الخلوي الجسدي مع التحديد الجيني الشامل.
يساعد هذا الإنجاز في تطوير سلالات قادرة على تحمل بيئات هضبة التبت.
الياك له أهمية اقتصادية وثقافية في حياة سكان الهضبة التبتية.
يسعى العلماء لتحسين سلالة الياك لضمان الاكتفاء الذاتي والاستقرار الاقتصادي.
استيقظ العالم على خبر استثنائي قادم من أعالي هضبة التبت، حيث نجح فريق علماء صينيون في استنساخ أول عجل يَك في التاريخ، فاتحين بذلك فصلاً جديداً في علوم تربية الماشية المخصصة للبيئات القاسية والمرتفعة. القصة بدأت عندما استقبل مركز أبحاث دامشونغ في إقليم التبت عجل يَك أسود صِحّي وسليم ولد بعملية ولادة قيصرية يوم 11 يوليو، بوزن تجاوز الثلاثة وثلاثين كيلوغراماً. منذ لحظاته الأولى، أظهر العجل طاقة مدهشة ووقف على قوائمه وتحرك بخفة، ليجسّد ثمرة سنتين من البحث العلمي المتواصل، والذي كان هدفه تطوير سلالات أكثر قوة وتمكناً من التلاؤم مع مناخات الهضاب الصعبة.
وما يجعل هذا الإنجاز فريداً هو تعاون ثلاثي بين جامعة تشجيانغ الرائدة، وحكومة دانغشونغ المحلية، والمعهد الإقليمي لبيولوجيا الهضاب. شرع العلماء في المشروع منذ يوليو 2023، حيث اختاروا طريقة متقدمة تُعرف بالاستنساخ الخلوي الجسدي وهي نفسها التي استُخدمت في إنتاج النعجة دوللي الشهيرة في التسعينيات. أضيف لتلك التقنية تطبيق التحديد الجيني الشامل، وهو أسلوب يسمح باختيار الصفات الوراثية المطلوبة بدقة عالية، مثل حجم الجسم، وكفاءة إنتاج الحليب، وقوة المناعة ضد الأمراض. وهكذا، جاء العجل المستنسخ أكبر حجماً من أقرانه الطبيعيين—علامة مشجعة على نجاح عملية انتقاء الجينات المرغوبة.
من هنا يتضح كيف تسعى الصين لمواجهة تحديات رعي الماشية في الهضاب، وهو ما يربط بين مشروع الاستنساخ الراهن وطموحات الصين في تطوير الزراعة الجبلية. إذ يدرك الباحثون أن الياك ليس مجرد حيوان تقليدي فحسب، بل هو عصب حياة سكان هضبة التيبت منذ آلاف السنين. تعود أصول الحيوان إلى الياك البري الذي روّضه البشر لأول مرة في أعالي هضبة تشينغهاي-التبت. هنا، عند ارتفاعات تصل إلى 5400 متر، أصبح الياك ركيزة للاقتصاد والمعيشة، ففي غيابه يصعب استمرار المجتمعات البشرية. صبره على نقص الأوكسجين وتحمله للبرد القارس وسهولة قضائه في المراعي النادرة جعله لقباً بـ"سفينة الهضبة"—قادر على حمل الأحمال الثقيلة والسفر لمسافات شاقة على مرتفعات شاهقة.
ويشدّد الخبراء على أهمية الياك ليس فقط كمصدر للحليب، واللحم، والزبدة (التي تشكل أساس شاي الزبدة الشهير في التيبت)، بل أيضاً كعنصر حيوي في توفير الطاقة المنزلية (عبر استخدام الروث في التدفئة)، وأنسجة لبناء الخيام والألبسة، وأدوات العمل، وحتى في الأسمدة الزراعية. كما يحمل الياك مكانة رمزية في الطقوس والمناسبات الدينية. ويبرز بذلك تكامل الرعي المعتمد على الياك كمنظومة متماسكة تتداخل فيها الأمن الغذائي مع الاقتصاد التقليدي والثقافة المحلية. هذا الدور المحوري يوضح سبب اهتمام الأوساط العلمية بتحسين سلالة الياك عن طريق التكنولوجيا الحيوية.
وفي ضوء السعي الحديث للارتقاء بقطاع تربية الماشية، يمثل استنساخ الياك نقلة نوعية تثبت أن الابتكار العلمي قادر على تقديم حلول واقعية للصعوبات التي تواجه المزارعين والرعاة بمناطق مثل هضبة تشينغهاي-تبت. وقد ذكر البروفيسور فانغ شنغقوه، قائد فريق البحث، أن تقنيات الاستنساخ الجديدة ستؤسس منظومة دقيقة لتكاثر الحيوانات القادرة على العيش وتحقيق إنتاجية عالية سواء على مستوى الحليب أو مقاومة الأمراض، ما يعزز التوازن بين تأمين الغذاء ودعم الاستقرار الاقتصادي للقرى الجبلية. من الطبيعي إذن أن يتطلع المزارعون لاستخدام مثل هذه الأساليب لتحسين سلالاتهم، لا سيما وأن البيئة هناك غالباً ما تتسم بالهشاشة البيئية والجفاف وتغير المناخ، وهو ما كانت تواجهه الطرق التقليدية في التربية بصعوبة ملموسة.
في الختام، يمكن القول إن تجربة استنساخ الياك تشكل حجر زاوية في جهود الصين لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتحسين جودة الماشية في المناطق المرتفعة. ومن المفيد هنا التفكير في توسيع نطاق الحوار حول أهمية الاستدامة والتقنيات الجينية في دعم المجتمعات الهشة، وربما استبدال بعض مصطلحات التقنية بمرادفات تتيح فهماً أوضح للقارئ العادي. إن تأثير هذه المبادرات يتجاوز حدود المختبر إلى حياة الأسر التي تعتمد منذ أجيال على الياك كعمود فقري لوجودها، ويؤكد أن الابتكار العلمي المتزن والتواصل المجتمعي الواعي هما السبيل لتحقيق نهضة زراعية متكاملة تناسب تحديات العصر.