علماء يبتكرون جزيء غامض يحل لغزًا كيميائيًا عمره قرن ويحدث ثورة في كيمياء الفضاء!

3 د
نجح علماء جامعة هاواي في خلق جزيء ميثانتتيرول في بيئة فضائية محاكاة.
سحابات كونية باردة ساعدت في خلق هذا الجزيء الفريد بتفاعل الماء وثاني أكسيد الكربون.
يظهر الاكتشاف تعقيد التفاعلات الكيميائية في الفضاء ويغير تصوراتنا حولها.
الجزيء يعزز فهمنا لكيفية تكون المواد العضوية في أعماق الفضاء.
الكون يمثل معمل كيميائي متنوع ربما يحتوي على لبنات بناء الحياة.
في إنجاز علمي قد يغير فهمنا لكيمياء الفضاء، نجح فريق بحثي من جامعة هاواي في ابتكار جزيء جديد ظل وجوده النظري مثار جدل لأكثر من مئة عام. يتعلق الاكتشاف بجزيء يُدعى ميثانتتيرول، وهو مركب كيميائي طالما اعتُبر غير مستقر لدرجة يستحيل معها ظهوره بشكل طبيعي، لكنه اليوم أصبح حقيقة بفضل تجارب متطورة تحاكي بيئة الفضاء الخارجي.
لقد تمكن العلماء من توليد ميثانتتيرول في مختبراتهم عبر محاكاة الظروف الشديدة القسوة التي تسود في السحب الكونية الباردة، حيث يسيطر الفراغ شبه التام ودرجات الحرارة المتدنية. الفكرة كانت استحضار تلك البيئة الفضائية في المعمل باستخدام الإشعاع الشديد والضغط المنخفض، ما أدى إلى تحفيز تفاعلات معقدة بين جزيئات الماء وثاني أكسيد الكربون، وظهور هذا الجزيء الفريد أخيرًا. وهذا ما يجعل الإنجاز لافتًا، حيث إن ميثانتتيرول يُعد الكحول الوحيد المعروف حتى الآن الذي يضم أربع مجموعات هيدروكسيل مرتبطة بذرة كربون واحدة؛ تركيبة لفرط هشاشتها لم يُعثر عليها من قبل في أي مكان.
دلالة أوسع: كيمياء مذهلة في الفضاء
هذا الاكتشاف يطرح سؤالًا مثيرًا: إلى أي مدى يمكن أن تكون التفاعلات الكيميائية في الفضاء معقدة وخلاقة؟ إذ لم تكن توقعات العلماء تسمح بأن يظهر مركب صعب كهذا في بيئة طبيعية، لكن تأكيد نشأة ميثانتتيرول في ظروف كونية يمهد لتصور جديد حول كيفية تشكل الجزيئات العضوية في الفضاء بين النجوم، تلك التي يمكن أن تكون لبنات بناء الحياة في أماكن بعيدة جدًا. ومن خلال تعريض المواد لطاقة جسيمات عالية، شبيهة بأشعة كونية، راقب الباحثون تطور التفاعل خطوة بخطوة حتى ظهرت كميات ضئيلة من المركب الجديد، وذلك بمساعدة تقنية الضوء فوق البنفسجي العالي الطاقة.
بهذا الربط بين الكواكب والغبار الكوني، تتسع آفاق البحث العلمي حول نشأة المركبات العضوية وتركيبها في الأماكن الأبرد والأكثر عزلة في الكون. ويتجدد النقاش اليوم حول فرص اكتشاف "كيمياء غير متوقعة" في سحابات من الغبار الجليدي حيث تتكون النجوم والكواكب. فلو كان جزيء ميثانتتيرول قادرًا على الظهور في أعماق الفضاء، فقد تشق جزيئات معقدة أخرى طريقها هي أيضًا، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات غير مسبوقة حول أصول المركبات العضوية.
عبر التعاون مع علماء من عدة دول مثل روسيا والصين والولايات المتحدة، يشير البرفسور رالف كايزر من قسم الكيمياء بجامعة هاواي إلى أن هذا العمل يمثل دفعة قوية لعالم الكيمياء الفلكية. كانت الشراكة العلمية ذات أهمية في تطوير التجارب وابتكار طرق الكشف، ما سمح بتجاوز حدود المعروف في دراسة المواد الكيميائية القابلة للظهور في الكون.
ومع أن جزيء ميثانتتيرول لا يمكن أن يوجد بشكل ملموس على الأرض لاستحالة استقراره تحت الظروف الطبيعية هنا، فإن اكتشاف إمكانية نشأته في أعماق الفضاء يغيّر التصورات السائدة حول الحدود الكيميائية. إذ تُظهر النتائج بوضوح كيف يتفاعل الماء وثاني أكسيد الكربون والإشعاعات الكونية لإنتاج مركبات عضوية جديدة. ويعزز ذلك الاحتمال بأن الكون "معمل كيميائي" أعقد بكثير مما ظنناه سابقًا، وأن فهمنا لتكون اللبنات الأولية للحياة في تطور مستمر.
الجمع بين الاكتشاف والآفاق المستقبلية يشير إلى أهمية متابعة هذا النوع من البحوث، حيث يمكن لأي تطور صغير أن يكشف نافذة أوسع على ماضي الكواكب أو حتى مستقبل الحياة في مجرتنا. وربما يكون من المفيد في المقابل اختيار مرادفات أقوى للمصطلحات التقنية مثل "الفراغ شبه التام" بعبارة "خلاء الفضاء" لتعزيز وضوح النص، أو إضافة جملة تربط بين التجارب المخبرية ودور الأجرام السماوية في مستقبل الكيمياء الفلكية، مما يزيد من جاذبية المقال لدى القارئ الباحث عن فهم معمق وسهل في آن واحد.