علماء يحذرون: الميكروبات المرآوية قد تهدد الحياة على الأرض

3 د
ظاهرة "الحياة المرآوية" تثير جدلاً في الأوساط الأكاديمية بسبب مخاطرها المحتملة.
فرضية البحث تعتمد على تعديل جزيئات الأحماض الأمينية لإنشاء ميكروبات معكوسة.
القلق يتصاعد من تزايد المخاطر البيئية والصحية والاقتصادية لهذه الكائنات.
العلماء يطالبون بمراجعة الرقابة وتقوية الإجراءات الأمنية لضمان السلامة.
الجدل يسلط الضوء على الأخلاقيات ومسؤوليات العلماء والمشرعين تجاه المجتمع.
ربما لم تُثر فكرة علمية في عالم البيولوجيا الاصطناعية جدلاً ساخناً في الأوساط الأكاديمية كما فعلت ظاهرة "الحياة المرآوية"، وهي نوع فريد من الكائنات الحية المصنعة مختبرياً بترتيب جزيئي عكسي لما هو مألوف في الطبيعة. خلال الأسابيع الماضية، وجدنا مجموعة من علماء الأحياء المرموقين يرفعون صوتهم للمطالبة بتجميد الأبحاث الجارية على ما يُعرف بـ"الميكروبات المرآوية"، محذرين من أن هذه الكائنات قد تحمل تهديداً غير مسبوق للحياة فوق كوكب الأرض. إذن، ما الذي يدفع العلماء لاختبار هذه الحدود، ولماذا تغيّر البعض منهم موقفهم بعد تحمسهم الأولى؟
في البداية، يمكننا القول إن فكرة "الحياة المرآوية" لم تكن ضرباً من الجنون العلمي، بل كانت مدفوعة بفضول عميق لاستكشاف أشكال أخرى من الحياة لم تظهر قط في سجل التطور البيولوجي الطبيعي. لفهم ذلك، يحتاج القارئ إلى تصور أن كل كائن حي على وجه الأرض يعتمد في أساس بنائه على نوع معين من البنى الكيميائية لجزيئات تسمى "الأحماض الأمينية"، وهذه الجزيئات لها ترتيب فراغي يمكن تشبيهه بمرآتين متعاكستين؛ ومع ذلك، الطبيعة فضلت منذ البداية إحدى الصيغتين فقط. هنا جاء السؤال المحوري: ماذا لو ابتكرنا ميكروبات تستخدم الصيغة المعاكسة تماماً؟ وهنا يظهر مصطلح "الحياة المرآوية" ليصف هذه الفئة من الكائنات المصنَّعة. وهذا يفسر لماذا بدا المشروع للوهلة الأولى واعداً كنافذة لفهم أعمق لأصول الحياة وليضع احتمالات جديدة أمام الطب الحيوي ومجالات التكنولوجيا الحيوية.
المخاطر والجدل: إلى أين يقودنا هذا السباق؟
لكن حين يتعلق الأمر بالمخاطر، بدأ التفاؤل يتلاشى في صفوف كثير من الباحثين، إذ تنامى القلق من احتمال هروب هذه الكائنات من بيئة المختبر وحدوث تداخل غير متوقع بينها وبين الأنواع الطبيعية. العلماء المشاركون في هذه المبادرة أوضحوا أن الميكروبات الاصطناعية قد تحمل خصائص مقاومة للعقاقير أو قد تتطور بشكل لا يمكن السيطرة عليه في الطبيعة، نظراً لأن نظم مناعتنا ليست مبرمجة للتعامل مع جزيئات معكوسة بهذه الطريقة. ما زاد القلق هو استحالة التنبؤ الطويل الأجل بتأثير هذه الكائنات على اقتصاديات البيئة أو النظام الغذائي أو حتى توازن الميكروبيوم المحيط بالإنسان. وهذا يربط بين مخاوف العلماء وبين تجارب سابقة في علم الهندسة الوراثية، حيث لم تكن كل العواقب محسوبة دائماً بدقة.
تغيّر المواقف: رأي على لسان العِلم
في هذا السياق، روت بروفيسورة كيت آدامالا، المتخصصة في علم الوراثة وطب الخلايا بجامعة مينيسوتا، كيف كانت حماستها في البدايات عالية تجاه أبحاث "الخلايا المرآوية". إلا أنها اعترفت بأن تحليلاً دقيقاً لعواقب المشروع دفعها لإعادة التفكير في جدوى الاستمرار، خاصة في ظل نقص الأدوات اللازمة للرقابة والضمانات الأمنية العالمية. وكما أشارت، حتى أبسط التغيرات في الشيفرة الجينية الجديدة قد تقلب موازين التطور أو تبني جدراناً غير متوقعة بين أنواع الكائنات. ومن هنا، نجد مثالاً على مدى تعقيد التوازن بين الطموح العلمي وواجبات المسؤولية الأخلاقية.
آفاق البحث والعبرة المستفادة
ومع احتدام هذا النقاش، عاد موضوع أخلاقيات علم الأحياء و"التقنيات التخليقية" ليحتل صدارة الحوار بين المؤسسات الرقابية والجمعيات العلمية وصنّاع القرار. فالتساؤل بات اليوم أعمق من مجرد مدى صحة المبدأ، بل أصبح عن مستقبل الرقابة، وشروط الشفافية، وإمكانية تطوير معايير أمان كافية لمنع أية كوارث بيولوجية محتملة. هذا يدفعنا إلى ربط القضايا التقنية بالمجتمع الأوسع، ويسلط الضوء على حاجة البحث العلمي المستمر إلى حوار وتعاون عابر لكل الحدود والتخصصات.
في نهاية المطاف، ربما يكون على العلماء والمشرعين التفكير في تبني مصطلحات أوضح أو حتى استبدال بعضها بمرادفات أدق وأقل إثارة للهواجس عند الحديث إلى الجمهور، ما من شأنه رفع الوعي من دون إثارة الذعر. كذلك قد يكون من المفيد تضييق نطاق الأبحاث وفق قواعد تجريبية جديدة، وإضافة تعليمات أكثر صرامة للربط بين المختبرات والمجتمع لضمان عدالة توزيع المخاطر والفوائد. بهذه الطريقة فقط يمكن للعلم أن يصنع المستقبل دون أن يفقد إنسانيته أو يهدد التوازن البيئي الذي نحيا فيه.