ذكاء اصطناعي

عندما تتساقط الدماء على الملابس: كيف تكشف الفيزياء أسرار مسارح الجريمة؟

محمد كمال
محمد كمال

3 د

تُستخدم الفيزياء لفهم تفاعل الدم مع الأقمشة في حل الجرائم.

يقوم العلماء بتجارب باستخدام كاميرات فائقة السرعة وأقمشة قطنية ودماء خنازير.

دراسة انتشار الدم في الألياف تسهم في تحليل أفضل للأدلة الجنائية.

أنواع الأقمشة المختلفة تُحدث تأثيرًا كبيرًا على دقة تحليل بقع الدم.

هل صادفت يوماً مشهداً سينمائياً مثيراً تظهر فيه بقع الدم على أكمام قميص ما؟ قد تبدو هذه الآثار عشوائية للوهلة الأولى، لكن وراءها أسرار تقود علماء الجريمة إلى اكتشاف خبايا لا تخطر على البال. وفي أحدث ما توصّل إليه الباحثون من جامعة ولاية كارولاينا الشمالية، أصبح فهم تفاعل الدم مع الأقمشة خطوة مهمة لفك ألغاز الجرائم، حيث استعان العلماء بكاميرات فائقة السرعة، وأقمشة قطنية متنوعة، ودماء خنازير، ليعرفوا كيف تحكي بقعة الدم تفاصيل الحادث.

لطالما ارتبط علم الأدلة الجنائية بقواعد دقيقة وتحقيقات معقدة، ويعود الفضل في ذلك إلى نظرية العالم الفرنسي إدموند لوكار مطلع القرن العشرين عندما طرح مبدأ "كل اتصال يترك أثراً". هذا المبدأ الذهبي أسهم في تطور تقنيات تحليل البصمات والآثار والدماء، التي أصبحت اليوم أعمدة تحقيقات الطب الشرعي حول العالم. ومع ذلك، فإن فهم كيف يتغير سلوك الدم حين يلامس النسيج عن قرب يظل تحدياً قائماً.

في هذا الإطار، واصل العلماء بحثهم ليكتشفوا أن أشكال بقع الدم على المنسوجات ليست مجرد مصادفة. فعندما يرتطم الدم بقطعة ملابس قطنية، تبدأ جزيئاته بالتغلغل والانتشار بين ألياف القماش. هذه الظاهرة المعروفة باسم "الانتشار الشعري" تؤدي إلى تغير ملامح البقعة بحيث تصبح أكثر تعقيداً، وهو ما يجعل تحليلها البصري صعباً حتى باستخدام أجهزة التحليل الفائقة الدقة. تشير تفاصيل الدراسة المنشورة في مجلة "الطب الشرعي الدولي" إلى أن أقمشة القطن تحديداً قد تحدث بها تشوهات كبرى في شكل البقع.


بصمة القطن... والكاميرا لا تكذب

ومن خلال إجراء تجارب مبتكرة، استخدم الفريق العلمي خمسة أنواع من الأقمشة القطنية المختلفة، منها القطن المنسوج العادي، ووجهي قماش التويل، ووجهي الجيرسيه، ثم قاموا بقذف عينات الدم بسرعات متفاوتة. بواسطة كاميرات عالية الدقة التقطت أربع صور في الثانية، رصد الباحثون كل تفصيل عند ارتطام كل قطرة بالسطح. ولاحظوا أن بقع الدم التي تتكون بسرعة عالية تنتج عنها خطوط دقيقة تشبه الأصابع، تخرج من مركز البقعة، وكلما زاد عدد هذه "الأصابع" دلّ ذلك على أن الدم كان أسرع أثناء اصطدامه بالنسيج. غير أن هذه العلامات قد تتغير بمرور الوقت مع انتشار السائل داخل القماش، مما يضيف طبقة إضافية من التعقيد عند تحليل مسرح الجريمة.

وبالحديث عن صعوبة التحليل، نجد هنا أن الفهم الدقيق لسلوك الدم على الأقمشة مهم للغاية لاستخلاص دلائل حول نوع السلاح المستخدم، أو المسافة التي أطلقت منها الطعنة، أو حتى سرعة تحرك الضحية أو الجاني أثناء وقوع الجريمة. ولأن النسيج القطني يمتص السوائل بسرعة ويشوه الخطوط، فقد تكشف بصمة واحدة على قميص عن كثير من الأسرار، أو تضلل الخبير بنسبة كبيرة.

هذه المعطيات تربط بين أهمية بنية النسيج وقدرة الخبراء على تفسير الأدلة في القضايا الحساسة. نتائج التجارب أظهرت أيضاً أن نوع النسيج يلعب دوراً محورياً في ما يمكن استخلاصه؛ فالقطن المنسوج العادي كان أكثر وضوحاً في أنماط بقعه مقارنة بقماش التويل، الذي جعل المهمة أصعب، في حين أظهر الجيرسيه نتائج وسطية.

ذو صلة

تستند هذه الاكتشافات إلى حقيقة أن تركيب الخيوط وتوزيع الغرز، إضافةً إلى تفاعل السوائل مع الألياف، قد يشكلان "بالبصمة الفيزيائية" للحدث الجنائي. ويخطط الباحثون للتوسع في دراساتهم لتشمل أنواعا أخرى من الأقمشة والغزول، حتى يمكن بناء قاعدة بيانات واسعة تغطي أغلب سيناريوهات الجرائم الواقعية.

من هنا، تبدو مهمة المختبر الجنائي أشبه بحل لغز شائك، إذ يجب على المختص التوفيق بين الفيزياء والكيمياء وعلم النسيج ليصل إلى استنتاج دقيق حول ملابسات الجريمة. وربما لو اعتمدنا في بعض العناوين على مصطلحات أدق كـ "تشريح أدق لطبيعة بقع الدم"، أو أضفنا جملة تربط تاريخ الأدلة الجنائية بتطور الأدوات الحديثة، لأصبح النص أكثر ثراءً للجمهور المتابع. كذلك، فإن إحكام الانتقال بين الفقرات بشكل أكبر يعزز من وضوح التسلسل المنطقي في التحليل. أما بالنسبة لمصطلح "الانتشار الشعري"، فيمكن في حالات معينة استبداله بعبارة "تسرب الدم عبر الألياف"، وهو ما يمنح القارئ صورة أوضح لسير الأحداث على مسرح الجريمة.

ذو صلة