عيون ذهبية كيف يمكن لجزيئات الذهب أن تعيد البصر يوماً ما

4 د
جامعة براون تطور تقنية باستخدام جزيئات الذهب لعلاج أمراض الشبكية.
الحقن بجزيئات الذهب يتيح تحفيز الخلايا العصبية بشكل غير جراحي.
التقنية تقدم بديلاً للعمليات الجراحية وتعمل مع الليزر تحت الأحمر.
الدراسة لم تظهر أي سمية أو استجابات مناعية، مما يعزز أمانها.
ما زالت التجارب مستمرة قبل التطبيق البشري الكامل للتقنية.
تخيل لو أمكن لقطرات ذهبية صغيرة أن تمنح النور مجددًا لعيون فقدت ضياءها بسبب أمراض الشبكية، هذا ليس خيالاً علمياً وإنما مشروع واقعي يتطور في مختبرات جامعة براون الأمريكية. باحثون من الجامعة تمكنوا من تطوير تقنية تعتمد على جزيئات الذهب النانوية كوسيلة واعدة لعلاج حالات مثل الضمور البقعي واضطرابات الشبكية الأخرى، وهو ما قد يغيّر حياة ملايين البشر ممن فقدوا نعمة النظر.
في دراسة حديثة نشرتها مجلة ACS Nano، استعرض الفريق العلمي نتائج أبحاثهم حول استخدام جزيئات الذهب، وهي جسيمات دقيقة للغاية أصغر آلاف المرات من شعرة الإنسان، بحقنها في شبكية العين مباشرة. الفكرة ببساطة تقوم على تجاوز الخلايا الضوئية التالفة وتحفيز الخلايا العصبية الباقية، كالعُصيات والمخاريط التي عادة ما يتضرر معظمها في أمراض مثل الضمور البقعي، دون الحاجة إلى جراحة معقدة أو تعديل جيني. ولك أن تتخيل أن التقنية المقترحة تعتمد على الجمع بين تلك الجزيئات ووميض أشعة ليزر تحت الحمراء مرتبطة بعدسة أو نظارة ذكية، مما يخلق جسراً جديداً لنقل الإشارات بين العين والدماغ.
كيف تعمل جزيئات الذهب النانوية؟
وللربط مع ما سبق، تعتمد الاستراتيجية الجديدة على إثارة الخلايا غير التالفة في الشبكية عن طريق التسخين الموضع لجزيئات الذهب عند تعريضها لضوء ليزر قريب من الأشعة تحت الحمراء. في العادة، تطوّر أمراض الشبكية تلفًا في المستقبلات الضوئية فقط بينما تظل الخلايا العصبية الداخلية مثل الخلايا الثنائية (البايبولار) وخلايا العقد العصبي سليمة وقادرة على تلقي التحفيز الكهربائي. هذه الخطوة تعني أن الأمل لا يزال قائماً في إعادة "تشغيل" قنوات الرؤية، من خلال مسار مختلف عما خلقته الطبيعة ولكن بنفس فعالية نقل الرسائل العصبية إلى المخ.
وجد الباحثون أن حقن الجزيئات النانوية توصل بالفعل برسائل الليزر إلى أعماق الشبكية، إذ ساعد ذلك في رسم أشكال على العين وخلق نشاط عصبي واضح في الفئران المصابة بفقدان الرؤية. ومن علامات النجاح أن الفئران التي فقدت الإشارة البصرية عادت مراكز الرؤية في أدمغتها تعطي استجابة قوية عند تطبيق هذه التقنية—وهذا يؤكد فعلياً بدء عملية استعادة الإحساس بالنظر.
حيث يقودنا هذا إلى أهمية الفحوصات الدقيقة التي أجراها الفريق، حيث لم يرصدوا أي علامات سمية أو استجابات مناعية أو التهابية وأن الجسيمات بقيت في العين لفترات طويلة دون ضرر واضح، ما يعزز ثقة العلماء في أمن الوسيلة وجدواها على الأمد البعيد.
مقارنة مع التقنيات السابقة
وللتوسع في الرؤية المستقبلية، يجد الفريق أن ما يميز هذه المقاربة هو بساطتها مقارنة بالطرق الجراحية التقليدية، مثل زراعة رقائق الكترونية مباشرة داخل العين. فعلى عكس العمليات المعقدة، حقن جزيئات الذهب إجراء روتيني سريع في عيادات طب العيون. وهذا ليس كل شيء: التكنولوجيا "الذهبية" تغطي كامل شبكية العين، لتعيد للمريض حقل رؤية واسعاً بدلاً من الصور المحدودة التي تقتصر عليها أنظمة الزرع الكهربائية (التي غالبًا لا تمنح أكثر من 60 بيكسل). كذلك، لأن جزيئات الذهب تتفاعل مع الليزر تحت الأحمر وليس الضوء المرئي، يبقى بإمكان المريض الاستفادة من أي قدرة بصرية متبقية لديه جنباً إلى جنب مع هذه التقنية الجديدة.
في سياق التطوير المستقبلي، يشير الباحثون إلى أنه لا تزال هناك تجارب مهمة يجب استكمالها قبل الانتقال للتطبيق البشري الواسع، لكن النتائج الأولية تمنح دفعة أمل كبيرة بأن علاج فقدان البصر صار أقرب مما نتصور.
آفاق واعدة لعلاج ملايين المرضى
وهنا تلتقي خيوط البحث مع تطلعات أطباء العيون والملايين من مصابي الضمور البقعي واعتلال الشبكية حول العالم. الصحة البصرية لم تعد محكومة فقط بالقَدَر أو تقدم السن، إذ تفتح تقنيات الطب النانوي باباً جديداً أمام الاستعادة الجزئية أو الكاملة للرؤية، دون اضطرار للخضوع لجراحات بالغ التعقيد أو تجارب علاجية غير مضمونة. وإذا استمر التقدم بنفس الخطى، فقد يكتب الفصل التالي لحياة العديد من الناس ببريق الذهب وإشراقة أمل في عيون طال انتظارها للنور.
باختصار، الدراسة التي موَّلتها جهات أمريكية وصينية وسعودية وكورية وعدة جامعات، تقدم فرصة ذهبية لتحويل مسار علاج أمراض العيون من مسكنات للأعراض إلى علاج جوهري يعيد للعين وظيفتها الطبيعية. بين أيدي العلماء بات الآن خيط من الذهب قد يربط ملايين المرضى مرة أخرى بعالم الألوان والضوء—فالعصور الذهبية للطب البصري ربما بدأت للتو.