غارق في المياه منذ ألف عام… تمثال سلافي يكشف طقوس عبادة مجهولة!

3 د
عُثر على وجه خشبي قديم في بحيرة في بولندا يعود لألف عام.
الوجه الخشبي يعكس الثقافة الروحية للسلاف الأوائل وفنهم الزخرفي.
يرتبط النحت المكتشف برموز حماية استُخدمت ضد الأرواح الشريرة.
البحث يقارن النحت بمنحوتات مماثلة في أوروبا الشرقية لتأكيد الأسلوب الفني المشترك.
البحيرة تحفظ آثارًا تاريخية تمنح نظرة أعمق للحياة في العصور الوسطى.
في اكتشاف وصفه علماء الآثار بالاستثنائي، عُثر في أعماق بحيرة «ليدنيتسا» غربي بولندا على قطعة خشبية منحوتة على هيئة وجه بشري تعود إلى نحو ألف عام، لتفتح نافذة جديدة على ثقافة السلاف الأوائل ومعتقداتهم الروحية في العصور الوسطى الأولى.
توضح فرق الغوص الأثري التابعة لجامعة نيقولا كوبرنيكوس أن هذا الوجه الخشبي كان جزءاً من تحصين خشبي تابع لجزيرة «أوستروف لِدنيتسكي»، إحدى أهم المواقع التي شهدت بدايات انتشار المسيحية في بولندا. ويعتقد الباحثون أن النحت يجسد مزيجاً بين الفن الزخرفي والرمزية الدينية التي ميزت تلك المرحلة الانتقالية بين الوثنية والعقيدة الجديدة.
هذا الاكتشاف يعيدنا إلى زمن كانت فيه **الطقوس الوثنية** والرموز الحامية جزءاً من الحياة اليومية للسلاف. فالقطعة المنحوتة بطول نحو متر وثلاثة أعشار المتر وملامحها الدقيقة—من العينين والأنف إلى الفم والخدين—تشير إلى مهارة نادرة لدى **الحرفيين الأوائل**، كما تعكس وعياً جمالياً يحمل في طياته معاني الحماية من الأرواح الشريرة.
وهذا يربط بين حضارة السلاف المغمورة في أعماق التاريخ والنقوش المشابهة التي وجدت في مدن مثل فولين ونوفغورود، ما يؤكد وحدة الفن والرمز في الثقافة السلافية القديمة عبر مناطق متباعدة.
رمزية الحارس الخشبي
بحسب التحليلات الأولية، لم يكن الوجه الخشبي مجرد عنصر ديكوري، بل على الأرجح رمزاً وقائياً يعلوه طابع **سحري أو شعائري**. فقد اعتاد الإنسان القديم تثبيت رموز على الأسوار والجسور لتدرأ الشر وتجلب السلام للقرية أو المستوطنة. ويستند هذا التفسير إلى مقارنات مع منحوتات مشابهة عُثر عليها في مناطق مختلفة من أوروبا الشرقية، تحمل جميعها ملامح هندسية متقاربة وشبه ابتسامة ساكنة توحي بالطمأنينة.
ومن اللافت أن خصائص الوجه—مثل الذقن المثلثة والأنف المستقيم—تشبه بشكل كبير تمثالاً من القرن التاسع اكتُشف في فولين، مما يدعم فرضية وجود **أسلوب فني مشترك** يُعبّر عن هوية سلافية خاصة تمايزت عن التأثيرات الإسكندنافية والروسية المعاصرة لذلك الزمن.
بحيرة تحفظ الذاكرة
تساعد البيئة المائية في **بحيرة ليدنيتسا** على حفظ الأخشاب القديمة والمواد العضوية التي عادة ما تتحلل بمرور الوقت. ولهذا السبب احتفظت البحيرة أيضاً بآثار أخرى مثل أسلحة وأدوات وزوارق ومقاطع من الجسور الخشبية التي ربطت الجزيرة بالبر قبل ألف عام. ويتيح هذا المشهد المائي الفريد للعلماء إعادة تركيب صورة متكاملة عن الحياة الدفاعية والروحية في تلك الحقبة المبكرة من تاريخ بولندا.
وهكذا تتكامل هذه القطع لتعيد لنا قصة مكان كان يوماً مركزاً سياسياً ودينياً مع بداية تشكل الدولة البولندية.
تؤكد الباحثة المشرفة على المشروع أن الاكتشاف «يمنحنا فهماً أعمق لطريقة تفكير إنسان القرون الوسطى المبكر في قضايا الحماية والإيمان»، مشيرة إلى أن الوجه الخشبي سيوضع تحت المراقبة الدقيقة قبل عرضه للزوار في المتحف الوطني.
خاتمة
يكشف هذا النحت الخشبي المدهش أن البحيرات والأنهار لا تخفي فقط آثار الحروب القديمة بل تحفظ أيضاً رموز الروح الإنسانية الأولى. وبين الوثنية والمسيحية، يقف وجه «ليدنيتسا» شاهداً على مرحلة تحوّل كبرى في هوية السلاف وثقافتهم، حيث امتزج الإيمان بالفن والرمز بالحياة اليومية، لتبقى هذه الابتسامة الخشبية الخافتة تروي حكاية ألف عام من التاريخ.









