ذكاء اصطناعي

فحص التنفس السريع والمنخفض التكلفة: ثورة محتملة في تشخيص سرطانات الدم

محمد كمال
محمد كمال

4 د

يُشخص شخص جديد في الولايات المتحدة بسرطانات الدم كل ثلاث دقائق تقريبًا.

أفاد باحثون بجامعة الملكة ماري البريطانية بإقامة اختبار تنفس لاكتشاف سرطانات الدم.

التقنية تستفيد من مركبات عضوية متطايرة في زفير المريض لتحديد علامات المرض.

اختبار التنفس سهل، سريع، ومنخفض التكلفة باستخدام جهاز "بريذلايزر".

يستهدف الباحثون تحسين التقنية لتحديد سرطانات الدم بدقة وسهولة أكبر.

في كل ثلاث دقائق تقريبًا، يشخص شخص جديد في الولايات المتحدة بإحدى سرطانات الدم، ليصل عدد المصابين والمتعافين إلى 1.7 مليون إنسان فقط هناك اليوم. هذه الأرقام المقلقة كثيرًا ما تُخفي وراءها تحديات كبيرة في الاكتشاف المبكر، إذ تتداخل أعراض هذه الأمراض مع مشكلات صحية بسيطة مثل التعب أو فقدان الوزن، ويظل الحصول على تشخيص دقيق خاضعًا لإجراءات باهظة الثمن وغير متوافرة دائمًا كالفحوص المخبرية أو الخزعات. كل هذه التفاصيل تعطي ثقلًا لأهمية أي ابتكار جديد يمكن أن يجعل الخطوات التشخيصية أسهل وأسرع وأكثر إمكانية للجميع

تأتي أخبار مبشرة من باحثين في جامعة الملكة ماري البريطانية، نشروها مؤخرًا في مجلة هيماآسفير الطبية، حيث نجحوا لأول مرة في استخدام اختبار بسيط للتنفس للكشف عن مؤشرات حيوية نوعية تشير إلى الإصابة بسرطانات الدم. هذه التقنية تعتمد على جمع تنفس عميق من المريض وتحليله للبحث عن مواد كيميائية تنتمي لما يُعرف بالمركبات العضوية المتطايرة، وقد تُمثل مستقبلًا بديلاً منخفض التكلفة للأدوات التشخيصية الكلاسيكية، خاصة في المناطق النائية أو تلك التي تفتقد التجهيزات المتقدمة.

وهذا التطور يبرز بوجه خاص أمام الأنواع الثلاثة الرئيسية لسرطانات الدم: اللوكيميا التي تهاجم الدم ونخاع العظم، واللمفوما المرتبطة بالجهاز اللمفاوي، والمَيِلُومَا التي تطال خلايا البلازما. لكلٍّ منها درجات متفاوتة من الشراسة وخيارات علاجية أكثر أو أقل نجاحًا حسب نوعها وظروف كل حالة. لكن العامل المشترك بينها جميعًا هو الحاجة الملحّة لاكتشاف مبكر، يتيح البدء في العلاج قبل تفاقم الحالة.

الرابطة بين التشخيص المبكر وسرعة الاستجابة العلاجية
أي مغزى حقيقي لاختبار التنفس الجديد يبدأ من حقيقة أن الخطوة الأولى في الطريق للعلاج هي التشخيص. المشكلة أن أعراض هذه الأمراض ـ مثل التعب أو خسارة الوزن ـ ليست واضحة بالضرورة وتتشابه مع متاعب صحية يومية، ولهذا يتأخر كثير من المرضى في استشارة الطبيب أو يخضعون لسلسلة فحوصات مكلفة تستغرق وقتًا طويلاً. فالإجراءات الاعتيادية كتحليل الدم أو التصوير أو حتى الخزعة تحتاج موارد مالية وطبية وإدارية قد لا تكون متاحة للجميع بنفس المستوى.

وهذا ما لفت انتباه فريق جامعة الملكة ماري، إذ تساءلوا: لماذا لا نستفيد من النجاح الذي أثبته اختبار التنفس في تشخيص سرطان الرئة، في محاولة تطبيقه على دم الإنسان؟ جواب هذا السؤال فتح بابًا بحثيًا جديدًا ومثيرًا.

كان التحدي هنا هو إثبات أن الخلايا السرطانية في الدم تفرز فعليًا مركبات يمكن التقاطها في زفير المريض. لجأ الفريق لاستخدام جهاز تحليلي متطور ـ يعرف بجهاز تحليل المركبات العضوية المتطايرة أو "بريذلايزر" ـ وتمكنوا في مرحلة التجربة الأولى من جمع عينات تنفس لـ74 مشاركًا، كان من بينهم 46 مصابًا بسرطان دم. بتحليل جزيئات التنفس باستخدام مطياف الكتلة، استطاعوا تحديد "بصمة تنفسية" مميزة لدى من يعانون من اللوكيميا أو اللمفوما عالية الخطورة مقارنة بالأشخاص الأصحاء، ما يفتح آفاقًا واسعة للاعتماد على التنفس كمؤشر تشخيصي مضمون وبسيط.

ومع هذا الأمل الجديد، تتجه الأنظار الآن لقدرة هذه التقنية على تقديم نتائج تشخيصية فورية وسريعة للطبيب والمريض في غضون لحظات. فإذا تم تطوير الجهاز بشكل أكبر، سيصبح بالإمكان رصد أمراض الدم الخطيرة بسهولة شديدة، دون الانتظار الطويل لنتائج التحاليل، أو الحاجة للاستعانة بأجهزة باهظة أو مختبرات مركزية.

الآفاق المستقبلية وسهولة التطبيق
ينقلنا هذا التطور إلى السؤال التالي: كيف يمكن أن تغير اختبارات التنفس حياة من يقطنون المناطق الريفية أو البيئات التي تعاني قلة الموارد الطبية الحديثة؟ يجيب أحد الباحثين المشاركين أن هذه التكنولوجيا من المنتظر أن تخدم الجميع سواء في عيادات المدن أو مشافي الأقاليم. وكلما زادت حساسية هذه التقنية وقدرتها على التفريق بين أنواع سرطان الدم المختلفة، كلما اقتربنا من نموذج فحص سريع ومنخفض التكلفة يصلح للاستخدام الواسع حول العالم.

وفي هذا السياق، تخطط فرق البحث حاليًا لتحسين أداء الجهاز ليصبح قادرًا على التمييز بدقة بين الأنواع الثلاثة الرئيسية لسرطانات الدم، بالإضافة إلى محاولة تقليص حجم عينة التنفس المطلوبة. الهدف النهائي أن يحصل المريض على التشخيص المؤكد من خلال زفير عميق وبأقل قدر من التعقيدات أو الوقت أو التكلفة.

من جهة أخرى، يجب التنويه أن هذا الاكتشاف لا يزال في طور البحث، ولا يُنصح حتى الآن باعتباره بديلاً نهائيًا عن جميع الطرق التقليدية، لكنه بالفعل خطوة كبيرة ومشرقة على طريق التشخيص السريع الفعال لسرطانات الدم وغيرها من الأمراض الخطيرة.

ذو صلة

في مجمل هذه التطورات، يبدو أن الطب الحديث يسعى يومًا بعد يوم لكسر جمود الوسائل الكلاسيكية وجعل التشخيص أكثر إنسانية وواقعية ويمكن للجميع الاستفادة منه. ومع ذلك، لو حاولنا تحسين انسيابية هذه القصة، يمكننا مثلاً استبدال كلمة "اختبار التنفس" بمصطلح "الفحص التنفسي الذكي" في مواضع رئيسية لإضفاء مزيد من التركيز على الطابع التكنولوجي المبتكر، كما أن وضع جملة قصيرة توضح أن التقنية تُكمّل (ولا تلغي) الأدوات التقليدية سيربط الرسالة في ذهن القارئ ويوضح المسار الآمن للتوسع المستقبلي. أما استخدام عبارات كـ"تشخيص سرطانات الدم" بدلًا من "رصد مؤشرات سرطان الدم" سيعزز وضوح المقال ويشجع القارئ على مواصلة المتابعة بشغف.

بهذه السلاسة، يستمر الطب في ابتكار وسائل أقرب إلى الناس وأسرع للوصول إلى الحقيقة، في معركة دؤوبة مع أخطر الأمراض وأكثرها غموضًا.

ذو صلة