فقمة النمر في القطب الجنوبي تغني ألحانًا تشبه أناشيد الطفولة!

3 د
كشفت دراسة حديثة أن فقمة النمر تصدر ألحانًا تشبه أناشيد الأطفال.
تستخدم الفقمات خمسة أنماط صوتية لإنشاء بصمة صوتية فريدة لكل فرد.
الفقمات تغني لفرض النفوذ وجذب الإناث في موسم التزاوج.
المفاجأة أن أغاني الفقمات تتشابه مع الأناشيد الشعبية المألوفة.
تؤكد الدراسة تشابه التواصل الصوتي بين البشر والحيوانات.
سكان القطب الجنوبي الأشهر بالعزلة والغموض، فقمة النمر، أظهرت وجهًا جديدًا لم نكن نتوقعه. فقد كشفت دراسة علمية حديثة أن هذه الثدييات المفترسة، التي تعيش حياة انعزالية وسط الجليد، تمضي ساعات تحت الماء يوميًا في ترديد أغنيات تُشبه هيكلها الموسيقي نمط الأنغام التي نغنيها للأطفال قبل النوم. ولعل المفاجأة الأكبر أن غناء هذه الفقمة يتشابه في بنية التكرار والبساطة مع الأغاني الشعبية أو "أناشيد المهد" التي نعرفها جيدًا.
اكتشف باحثون من جامعة نيو ساوث ويلز في سيدني هذا الجانب المدهش حين أعادوا تحليل تسجيلات قديمة لتواصل هذه الحيوانات. ولاحظوا أن الأنماط الزمنية للأغاني تُحاكي ذلك النظام المُتحكم الذي نجده في الأناشيد البشرية، بل إن إحدى أدوات التحليل التي استعانوا بها، وهي "قياس العشوائية" أو (entropy)، أظهرت أن أغاني الفقمات ليست عشوائية على الإطلاق، بل تضاهي بقوة التكرار والبساطة المحببة في أناشيدنا الطفولية.
وتُثير هذه النتائج الفضول حول دافع الفقمة لمثل هذا التواصل الصوتي. فمن الواضح أن هذه الأغاني ليست وسيلة لتهدئة الصغار كما نفعل نحن، بل هي طقوس تمارس غالبًا من قبل الذكور خلال موسم التزاوج. هنا يلتقي العلم مع الحياة البرية، ويتجلى التشابه بين عالمنا البشري وعوالم الحيوان. فكأن الفقمة تلهث لغنائها من أجل فرض النفوذ واستعراض القوة أمام منافسيها، أو جذب اهتمام الإناث، إذ أن غالبية هذا الغناء يُسجل أثناء مناخ التزاوج المتوتر بالقرب من حواف الجليد.
أما عن طبيعة هذه "القصائد" الصوتية، فهي لا تختلف من حيث الأصوات المستخدمة، إذ تعتمد كل الفقمات على خمسة أنماط صوتية أساسية. ولكن الفارق، حسب تحليل الباحثين، يكمن في ترتيب هذه الأصوات والزخم الذي تحمله كل أغنية. يشابه هذا إلى حدٍ كبير امتلاك كل فرد من الفقمة "اسمه الموسيقي" الخاص، حيث يصنع الترتيب الفريد بصمة صوتية تُميز كل حيوان عن الآخر، وتساعد في نقل الرسائل عبر مسافات بعيدة تحت الماء المتجمد.
هذا يقودنا إلى جانب آخر من الدراسة، حيث عمد الباحثون إلى مقارنة أغاني فقمة النمر مع أغاني أنواع حيوانية أخرى كالحيتان والدلافين، إضافة لتنويعات من الموسيقى البشرية مثل الأغاني الكلاسيكية وأغنيات فرقة البيتلز. المفاجأة أن التوافق الأكبر ظهر مع شعرية وقوالب الأناشيد البسيطة التي يحبها الصغار! هذا يجعلنا نعيد النظر في تصوراتنا حول عوالم التواصل الصوتي عند الحيوانات، ويؤكد مرة أخرى كم هي الطبيعة مليئة بالأسرار التي لا تنتهي.
وتجدر الإشارة إلى أن كل هذا جاء من تسجيلات أُجريت منذ عقود، إذ كان فريق البحث يتحمل ظروف القطب القاسية من أجل تتبع كل فقمة ووضع علامات لونية عليها من النهار، ثم العودة لالتقاط أصواتها تحت جنح الليل. ويطمح العلماء الآن للعودة وتوظيف تقنيات جديدة لمعرفة ما إذا كانت تسلسلات الأصوات ستتغير مع مرور الأجيال، أو إن كانت الفقمات قد طورت "أبجدية" موسيقية أكثر اتساعًا.
خلاصة القول، حتى في أكثر الأماكن انعزالاً على الأرض، نجد مخلوقات تنسج لنفسها حضورًا وتاريخًا عبر ألحان بسيطة لكنها تحمل الكثير من الدلالات. وربما، لو استبدلنا كلمة "عشوائية" في بعض السياقات بكلمة "متوقعة"، أو شددنا على تميّز فقمة النمر بين الكائنات القطبية الأخرى، سنضاعف وضوح الصورة للقارئ ونشجعه أكثر على مواصلة اكتشاف خفايا عالم الحيوان المدهش.