في إنجاز علمي هو الأول من نوعه: علماء الفيزياء يرصدون الضوء في “الزمن التخيلي” .. ما هو الزمن التخيلي!؟

3 د
العلماء يرصدون سلوك الضوء في "الزمن التخيلي" لأول مرة في مختبر أمريكي.
مصطلح "الزمن التخيلي" يستند إلى الأعداد التخيلية ويصف انحرافات بتردد الموجات.
الإنجاز يظهر جوانب مخفية للطبيعة الفيزيائية للضوء ويفتح الباب لتطبيقات جديدة.
الأعداد التخيلية أصبحت أدوات عملية لدراسة ظواهر ضوئية كانت غامضة.
تخيّل لو كنت قادرًا على متابعة رحلة شعاع من الضوء أثناء انتقاله عبر مادة شفافة، تمامًا كما تتبع مسار سيارة في ساعة ذروة مرورية. بالتأكيد، ستجد أن الضوء يتباطأ بسبب احتكاكه بالمجالات الكهرومغناطيسية، وهو أمر معروف منذ زمن. لكن العلماء، ولأول مرة، استطاعوا ملاحظة شيء مذهل للغاية: كيف يسلك الضوء خلال ما يسميه الفيزيائيون "الزمن التخيلي".
وقد يبدو مصطلح "الزمن التخيلي" للوهلة الأولى أشبه بخيال علمي، لكنه في الواقع مفهوم رياضي يستند على ما يُعرف في الرياضيات بالأعداد التخيلية، تلك الأعداد التي تُعرّف بأنها الجذر التربيعي لأرقام سلبية. هذه الأعداد، على الرغم من غرابتها، مفيدة جداً في وصف ظواهر فيزيائية عديدة لم يكن من الممكن فهمها بشكل كامل من قبل.
ما الذي اكتشفه العلماء بشأن الزمن التخيلي؟
في مختبر بجامعة ماريلاند الأمريكية، قام عالما الفيزياء إيزابيلا جيوفانيلي وستيفن أنليج بتجربة مبتكرة، تمكّنا خلالها من رصد سلوك نبضات خفية من موجات المايكرويف (نوع من الموجات الكهرومغناطيسية التي تقع خارج نطاق ما نستطيع رؤيته بأعيننا). عبر استخدام دائرتَين من الكابلات المحورية موصولة ببعضها على هيئة حلقة، استطاع الباحثان متابعة تغيّرات هذه الموجات ورصد كيف تتصرف تحت ظروف توصف بالزمن التخيلي.
وحتى نفهم الفكرة أكثر بشكل واضح، تخيّل أن وميض الضوء (المكوّن من عدد كبير من الفوتونات التي تتحرك بسرعة ثابتة ودقيقة) يمر بمادة تؤخره قليلاً، نتيجة تفاعله مع أجزائها. لكن عندما يصف العلماء هذا النشاط باستخدام الأعداد التخيلية، تظهر لديهم نتائج تتعلق بمدى سرعة أو بطء موجات الضوء التي تنتج عن تجمّعات الفوتونات مع بعضها البعض داخل المادة.
وهذا يوضح مدى أهمية ما قام به هذا الفريق البحثي؛ فهم لم يتعاملوا فقط مع مفهوم نظري، بل تمكنوا من جعله ملموسًا وملاحظًا للمرة الأولى. يقول أنليج موضحًا هذا الإنجاز: "هذا مثل اكتشاف درجة حرية مخفية تجاهلها العلماء لفترة طويلة؛ ما فعلناه هنا هو إظهارها والربط بينها وبين معنى فيزيائي واضح وملموس."
يعني هذا الاكتشاف بالأساس أن ما نطلق عليه "الزمن التخيلي" ليس مجرد «خيالات نظرية»، وإنما ظاهرة حقيقية قابلة للدراسة والقياس. فهذه الأرقام التخيلية تصف بشكل دقيق «انحرافًا صغيرًا» في تردد موجة الإرسال أثناء عبورها لمادة ما، وهو شيءٌ كان يتم تجاهله سابقًا لظن العلماء أنه ليس ذا معنى فيزيائي حقيقي.
وتمكن العالمان من ربط هذه الانحرافات الطفيفة مع حسابات دقيقة جدًا بواسطة أجهزة قياس بالغة الحساسية، مثل أجهزة رصد التذبذبات (المعروفة بالأوسيلوسكوب)، ليثبتوا بذلك دور الأرقام التخيلية في ارائه وصفًا واقعيًا للغاية لما يحدث للضوء خلال رحلته عبر المواد المختلفة.
باختصار، لم تعد مصطلحات مثل «الأعداد التخيلية» و«الزمن التخيلي» مجرد عبارات صعبة الفهم، بل صارت وسائل عملية لقياس ظواهر كنا نراهها سابقاً غامضة وغير واضحة. وربما تفتح هذه التجربة الباب واسعًا نحو تطبيقات علمية وتقنية جديدة تغير فهمنا الحالي لسلوك الضوء والمادة—وربما لعالمنا كله.
ويبدو هذا ربطًا مثاليًا لأبحاثنا المستقبلية وتحديًا ممتعًا أمام العلماء للغوص أعمق في هذه المفاهيم النظرية، والاستفادة من هذه العلاقات المخفية في إيجاد حلول عملية لمشكلات تكنولوجية وهندسية واقعية. ومن يدري؟ ربما يمهد اكتشاف كهذا الطريق أمام تقنيات اتصال أكثر تطورًا أو أنظمة نقل بيانات بسرعة فائقة الدقة.
تخيل فقط مدى الإثارة عندما ينجح العلم بتحويل مفهوم مثل "الزمن التخيلي"، من مجرد خيال وكلمة غريبة، إلى حقيقة مثبتة وملموسة على أرض العلم والتجربة.